عن الحرب الأفغانية في سوريا
خمس سنوات من الصراع في سوريا، باسم الثورة تارة وباسم الجهادة تارة أخرى، وما زالت الحرب دائرة، لكن مع اتخاذ الطابع الأفغاني في الصراع من تعدد الجماعات الإسلامية المتحاربة مع النظام السوري الحاكم، لتبقى المسألة السورية صورة مكررة من حرب الجهاديين في أفغنستان بدعم أمريكي خليجي، وشعار واحد إسقاط النظام الكافر.
وتسير الأزمة السورية بصورة شبه أحداث حرب الجهاديين ضد السوفيت، ولكن مع اختلافات قليله، ويبقى حسم المسألة بتدخل خارجي كما ظلت أفغانستان لسنوات منذ خروج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان في 1989 وحتى الاحتلال الأمريكي لها في 2001.
بدأ الصراع في أفغانستان مع دعم موسكو لحكومة الموالية للاتحاد السوفيتي وذات صبغة شيوعية، وهي حكومة رئيس الوزراء حفظ الله أمين، فأدخل الاتحاد السوفييتي بدخول الجيش الأربعين أحد أهم فروع جيوش الاتحاد السوفيتي، في 25 ديسمبر 1979 إلى أفغانستان؛ من أجل الدفاع عن الحكومة الموالية مع بدء الثورة في ربوع البلاد ضد حكم حافظ أمين.
الثورة تحولت من قضية وطنية بمطالبة مغادرة الاحتلال السوفيتي للبلاد، إلى حرب جهاد ودينية مقدسة، مع تدفق آلاف المقاتلين من العالم الإسلامي خاصة العالم العربي في مرحلة عرفت بحرب "المجاهدين"، بحلول أواسط الثمانينيات، كبدت حركة الثوار الأفغان والتي تحولت إلى مجاهدين بدعم من قبل كل من الولايات الأمريكية المتحدة، المملكة المتحدة، الصين، دول خليجية، باكستان ودول أخرى- الاتحاد السوفييتي خسائر عسكرية كبيرة وعلاقات دولية متوترة. وكان المحاربون غير النظاميين الأفغان يتم تسليحهم وتمويلهم وتدريبهم بشكل رئيسي من قبل الولايات الأمريكية المتحدة وباكستان والدول الخليجية.
وقد كان يتم إرسال خليجيين باستمرار إلى أفغانستان ليشاركوا المقاومة كمجاهدين، وكان ذلك يتم برضا أمريكي تام.
ومع مرور الوقت وارتفاع خسائر السوفييت في أفغانستان؛ لأنهم يحاربون ليس دولة أو شعبًا، بل يحاربون مجموعة من الدول ضد أهدافهم في أفغانستان، وتحولت البلاد إلى ساحة حرب دولية كلٌّ يريد فرض سيطرته، خرج السوفييت وأعلن الاتحاد السوفييتي انسحاب كل قواته بشكل رسمي من أفغانستان في 15 فبراير 1989.
وعقب انسحاب السوفييت بدأت الحرب بين "الإخوة الأعداء" المجاهدين سابقًا، هذه الحرب انتهت بسيطرة تنظيم أكثر تشددًا وهو حركة طالبان على الحكم في 1996 وانتهى احتلال أمريكا للبلاد في 2001، لكن حتى الآن ما زالت أفغانستان تدفع فاتورة الجهاديين والذين يسيطرون على القرار في كابول.
تجربة "الجهاديين" في مسماها الأفغاني، هي تجربة "جبهة النصرة- أحرار الشام- جيش الفتح- "داعش"- جيش الإسلام-.. وإلخ" في سوريا، حيث تعمل الولايات المتحدة وبدعم من أذرعتها في المنطقة، بتطبيق النموذج الأفغاني عبر "حرب الجهاديين"، والذين كان يطلق عليهم الثوار في البداية ثم المعارضة المسلحة والتي خرج من رحمها الجماعات الإرهابية "داعش- النصرة" وغيرها.
أمريكا تريد إسقاط الدولة السورية، كما أسقطتها في أفغانستان، وظل لما يقرب من ثلاثة عقود دون استقرار وفي حرب دائمة، وكما فعلتها في العراق وأسقط نظام صدام حسين في 2003، وحتى الآن بلاد الرافدين تفتقد لجيش قوي ودولة قوية، وتنظيم إرهابي يحتل ثلث أراضي العراق، في ظل صراع بين الميليشيات الشيعية والمؤسسات الرسمية على تحرير البلاد مع دور إيراني من وقت لآخر.
هذا الأمر تريد أمريكا تطبيقه في سوريا لإسقاط الدولة والجيش السوري، وتسليم البلاد إلى جماعات متناحرة مختلفة الهوى والهوية والولاءات؛ لتضمن السيطرة على البلاد دون أي جهد أو تكلفة بشرية، ويبقى التناحر والدم هما شعار المرحلة حتى إشعار آخر.
جاء التدخل الروسي هذا المرة ولكن بعد أن أخذ الدرس من أفغانستان، فقد ترك الأمور حتى يستكشف الدور الأمريكي بشكل كامل ويفضح المخطط الأمريكي أمام الرأي العام، فإذا كان هناك تدخل روسي فإنه إذا حاز على رفض أمريكي فإنه سينال دعمًا من الرأي العام العالمي، ويظهر بمظهر المدافع عن الإنسانية ومحارب الجماعات الإرهابية، في ظل افتضاح الدور الأمريكي، بعدم ضربه مواقع تنظيمات "داعش"، رغم أن المخابرات الأمريكية تعرفها تمامًا.
الصراع السوري وصل إلى مرحلة مواجهة "روسية- أمريكية" بشكل جديد، لكن في مناطق مختلفة عن مرحلة حرب "المجاهدين" في أفغانستان، وهو ما يشير إلى أن الصراع سوف يأخذ شكلًا آخر في الأيام المقبلة.
هناك أمران فارقان في حرب المجاهدين في أفغانستان وسوريا، التكنولوجيا ووسائل الإعلام. كانت فترة حرب أفغانستان حربًا مسيطرًا عليها إعلام واحد، ولا أحد يعرف من العامة ماذا يجري هناك، فيما في سوريا تركت وسائل التواصل الاجتماعي "فيس بوك- تويتر"، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الداعمة للجماعات المسلحة أو الداعمة للنظام السوري- مساحةَ تفكير لمتابعين في المنطقة والعالم، بذلك أسهمت في صنع رأي مع ورأي مضاد.
الأمر الآخر، هو الموقف الروسي، والذي أدت إلى تدخله السريع في أفغانستان إلى ارتفاع خسائره وعدم قدرته على دفع فاتورة الحرب لأكثر من 10 سنوات، فأدى الأمر إلى انسحابه ونجاح المخطط الأمريكي، أما في الحالة السورية فأدى إلى ترسيه وترك ساحة الأمر وانغماس الجانب الأمريكي وفضحه مخططاته بشكل أو بآخر، أما العالم، بالإضافة إلى كسبه حلفاء في المنطقة مثل مصر والعراق وإيران في موقفها السياسي، واتخاذ لحظة للتدخل يعطي أفضلية للجانب الروسي في قدرته على الاستمرار في المواجهة لمرحلة أطول في مواجهة الجانب الأمريكي في الساحة السورية، إذا فشل الحل السياسي، وأصبح التدخل العسكري حتميًّا، كما لاحت أفقه من خلال التدفق العسكري الروسي إلى سوريا، وتشير التطورات إلى رفض قوي لتكرار النموذج الأفغاني في سوريا من قبل روسيا ومصر والإصرار على بقاء مؤسسات الدولة السورية وفي مقدمتها الجيش السوري.