رئيس التحرير
عصام كامل

«شكرا محلب».. ورطت من يخلفك


ذكرت في أكثر من مقال سابق أن أكثر من يعمل في مصر هما الرئيس السيسي ورئيس الوزراء محلب.. وما زلت عند رأيي حتى بعد انتهاء مهمة محلب في رئاسة الوزراء واستعداده لتولي مهمة أخرى في رئاسة الجمهورية، وهو منصب يستحقه وفاء لإنجازاته في المهام التي أوكلت إليه سواء في رئاسة شركة "المقاولون العرب" أو عندما تولى وزارة الإسكان ثم رئاسة مجلس الوزراء في فترة من أخطر الفترات في تاريخ مصر.


تمنيت أن يكمل محلب في رئاسة الوزراء حتى تكتمل خارطة الطريق وتنتهي انتخابات البرلمان، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث استجدت أزمة كبيرة تلاها أكثر من تصرف خاطئ، وربما يلتمس المجتمع العذر لمرتكب الخطأ إن كان إنسانا عاديا، لكنه لن يتسامح في الخطأ مع من كان بقيمة ومكانة محلب وحساسية منصبه كرئيس للحكومة.

يعرف الجميع أن قضية فساد وزارة الزراعة بمثابة قنبلة انفجرت في مجلس الوزراء كله، لا سيما مع وجود شبهة تطال بعض الوزراء الآخرين إلى جانب الوزير المعني بقضية الرشوة، وقد أخطأ محلب عندما سعى للدفاع عن وزرائه بأن أصدر بيانا ينفي فيه تورط وزراء آخرين إلى جانب وزير الزراعة، ما يعد تدخلا في شأن القضاء وتأثيرا على تحقيقات النيابة. كما أخطأ محلب بانسحابه غير المبرر من مؤتمر صحفي مع نظيره التونسي إثر سؤال لصحفي تونسي "إخواني" عن الفساد الذي يطال الحكومة المصرية.. وقد كان بإمكان رئيس الوزراء محلب الرد بدبلوماسية أو بشكل عام أو حتى الاعتذار عن الإجابة على السؤال "لأن القضية في النيابة"، دون أن ينسحب من المؤتمر بطريقة انتقده عليها "الحبيب قبل العدو".

ولعل من أسباب قبول استقالة الحكومة فور تقديمها في وقت حرج، أن الانتخابات البرلمانية على الأبواب وبما أن أحد الوزراء ثبت فساده بتلقيه رشوة، والشبهة تطال زملاء له في مجلس الوزراء، ما يعني أن فئات من الشعب ستنظر بعين الشك والريبة إلى الحكومة كلها، ومهما كانت نزاهة نتائج انتخابات البرلمان، سنجد من يشكك فيها ويتهم الحكومة بالتزوير، لأنها تضم أسماء تحيطها شبهة فساد. وحتى لا تكون هناك ذريعة للتشكيك من المتربصين في الداخل أو من أعداء الخارج، وجب تغيير الحكومة بأخرى جديدة حتى وإن كان عمرها قصيرا، بحيث لا يمكن لأحد أن يشكك في نزاهتها أو حياديتها.

قبول استقالة الحكومة لا يلغي الإنجازات على الأرض، ولن نحصي هنا ما حققه "دينامو" مصر محلب خلال توليه المسئولية الجسيمة، لكن نكتفي بالإشارة إلى إنجاز قناة السويس الجديدة في عام واحد، تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور، حل مشكلة الكهرباء، نجاح منظومة الخبز والتموين، تنظيم عالمي مبهر وناجح للمؤتمر الاقتصادي، استعادة الأمن في ربوع المحروسة حتى أن كان هناك حادثة بين فترة وأخرى، تجميل مبان وميادين محافظات مصر بعد سنوات طويلة من الإهمال، إعادة هيبة الدولة وفرض سيطرتها بعد أن كانت مطية لمن يشاء، المضي في تنفيذ مجموعة من المشاريع القومية في وقت متزامن بإشراف الرئاسة.

لعل أهم إنجازات المهندس إبراهيم محلب في رأي الشخصي أنه غير الصورة الذهنية الراسخة عن رئيس الوزراء، وجعله "قائد شعبي" يستمد اهميته من التحامه مع المواطن في الشارع، ولن تنسى مصر تصريحه بأنه "خادم للشعب"، بعد أن كان الشعب خادما للمسئولين. ولن ينسى الشعب جولات محلب الميدانية الناجحة في محافظات مصر بشمالها وجنوبها، لكي يقف بنفسه على حجم الإنجاز ومعرفة المشكلات على حقيقتها والإسراع بحلها.

التفاني في العمل والوطنية الحقة جعلتا الرئيس السيسي يختار محلب إلى جواره، ليكون سندا له في الإنجاز والإشراف على تنفيذ المشروعات الكبرى والعاصمة الإدارية وهو بكل تأكيد أهلا لذلك ويستحق المنصب عن جدارة.. لكن يبقى أن المهندس إبراهيم محلب بما أبداه من إخلاص في عمله وترفعه عن "برستيج" ورفاهية رئيس الوزراء، وتفضيله النزول إلى الشارع للحكم على الأوضاع بشفافية، قد ورط عن غير قصد، من يخلفه في رئاسة الحكومة، لأن المقارنة ستظل قائمة بين ما أبداه محلب من تواضع وتفانٍ واقتراب من المواطن في الشارع وهو ما يستحق عليه الشكر، وبين ما سيبديه رؤساء الوزراء المقبلون.
الجريدة الرسمية