شَبحُ الفساد.. والسعادة التي لا نعرِفُهَا..!!
لا تزال السعادة هي حلم الشعوب الطامحة للبقاء على قيد الحضارة.. ولا يزال "الفساد" هو معضلة الوصول لتحقيق الحلم، ذلك الفساد الذي فشلت في اجتثاث جذوره كل خطط الخلاص، إذ صار متجذرًا في ثقافة التنظيم الإداري، وفى ذهنية فئات شعبية عديدة.. آمنت باستحالة قضاء حوائجها اليومية بعيدًا عن ممارسة الفساد بشكل أو بآخر.. "فشل" لم يُفلح معه قيام ثورة أو ثورتين.. ولا الإطاحة برأس السلطة مرة أو مرتين.. فإذا كانت ثورة يناير قد أسقطت مبارك لاتهام نظامه بالفساد.. فإن 67% من المتعاملين من الأجهزة الحكومية إبان حكم الإخوان قد مارسوا شكلا على الأقل من أشكال الفساد!
ورغم أن مصر قد حققت تقدمًا نسبيًا في مؤشر مدركات الفساد بعد ثورة 30 يونيو فإن معدلات الفساد لا تزال مرتفعة.. للدرجة التي جعلته معوقًا أساسيًا في كل خطط التنمية.. وللدرجة التي جعلت مصر تأتى في المرتبة الـ"130" في مؤشر السعادة العالمى من بين 157 دولة حسب التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة بالتعاون مع مركز الأرض، حيث تراجع معدل "السعادة" في مصر لحد كبير، وحاز على ترتيب 4.3 - من مقياس من واحد إلى 10 درجات!!
وإذا كانت دولة الإمارات قد حصلت على المركز "14" على مؤشر السعادة العالمى وأنها أكثر الشعوب العربية سعادة.. فهل بإمكانها أن تقدم لنا وصفة للخلاص من الفساد ومن ثم "السعادة" قبل أن تقدم لنا معونة للعيش المستقر؟ وإذا كانت السعادة "حلم" لدى الشعوب؛ فقد أوصى التقرير الباحث عنها بـ"الابتعاد" عن مناطق اليورو ومصر والسعودية..!!
ولم يكن الوضع الاقتصادي المتدني وعوامل الإفقار المتزايدة هي المصدر الأوحد لـ"تعاسة" الشعوب.. فثمة عوامل ومؤشرات أخرى، اعتبر الخبراء أن "الفساد" هو بيت القصيد فيها، بالإضافة إلى أهمية الحرية السياسية والشبكات الاجتماعية القوية وجودة التعليم والرعاية الصحية والاستقرار الأسرى!
وإذا كان الفساد قد بات عنوانًا لتعاسة الشعوب، فإن التجربة المصرية تأتى في صدارة المشهد لتقدم للعالم نموذجا للدولة التي أنهكها الفساد، ولم يبق منها سوى "جيش" وبعض طموح لدى الشباب، جيش كُتبَ عليه أن يواجه الانفلات الأمني ويحمل على عاتقه مسئولية إدارة التنمية؛ ليُجنبَ المصريين مخاطر الوقوع في براثن المجاعة باعتبارها هدفًا استراتيجيًا للأنظمة "المتآمرة" التي وضعت الإرهاب حجرًا في طريق التنمية؛ لكى ينشغل الجيش بمحاربته، وتتهيأ لها الفرصة لتعميق جذور الفساد في مؤسسات الدولة؛ لإيمانها العميق بأن الفساد أخطر من الإرهاب وأن كلفة مواجهة الفساد أكبر بكثير من كلفة مواجهة الإرهاب.
ومن ثم فإن الإصلاحات المتسارعة التي يتزعمها السيسي قد لا تأتى بثمارها إلا إذا تمكن الرئيس من إحداث إصلاحات حقيقية في السلك القضائي وأعانه عليها فريق من القضاة الشرفاء الذين يقدمون مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية ويدركون أنه إذا صلح القضاء صلحت كل قطاعات الدولة.. و"أن قاضيًا فاسدًا واحدًا ربما يصنع آلافًا من المفسدين" !! كما أن تغيير الحكومات ليس حلا لمجابهة الفساد..
فالفساد في مصر يتوغل في دولتنا العميقة وإن تغير الرأس ليس كافيًا.. وإنما نحن بحاجة حقيقية لهيكلة القيادات العليا والمتوسطة وإعادة تأهيل القيادات الشابة على نظام إدارى يستعصى على الفساد.. علمًا بأن الحلول الأمنية وحدها ليست أيضًا كافية وإنما صبغة الأنظمة الإدارية بالتقنية العالية ربما يكون الأجدى في مواجهة الفساد..!!
Sopicce2@yahoo.com