أوباما يتوعد.. لكن كوبا تكسب !
كانت كوبا أسرع من الولايات المتحدة.. والعاصمة هافانا أثبتت أنها أكثر حركة من العاصمة واشنطن.. هذا ما ظهر، أو هذا ما بدا منذ قرار واشنطن إنهاء فصول من النزاع والحرب الباردة مع هافانا، قبل 3 أشهر.
الشهر الماضى، وصل وزير الخارجية جون كيرى للعاصمة الكوبية في زيارة وصفوها بالتاريخية.. رفع كيرى العلم الأمريكي على مبنى سفارة بلاده بعد قطيعة أكثر من 35 عامًا، اعتبرت واشنطن رفع العلم حركة سريعة.. وغير متوقعة في الطريق لغزو أمريكيى ثقافى لكوبا.. لكن الذي كان أسرع وغير متوقع فعلا هو غزو السيجار الكوبى السوق الأمريكية.. قبل وصول كيرى لكوبا بأكثر من شهرين.
في قمة بنما، مايو الماضى، صافح أوباما الررئيس الكوبى رؤول كاسترو في حركة مفاجئة.. لم يكن أمام راؤول إلا أن يرد السلام.. قال أوباما أن بلاده لم تعد ترى أن العداء مع كوبا يجب أن يستمر.. عداء بدا منذ قيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا.. وكان لابد أن ينتهى بعد انتهاء الحرب الباردة.. وسقوط الاتحاد السوفيتيى.
يقولون إن الرئيس الكوبى ضحك بعد المصافحة.. فقد ابتسم الرئيس الأمركيى قائلا: سنغزوكم ثقافيا.. لكن كاسترو رد: نحن الأسرع دائمًا.
وقد كان.. فقد جاء كيرى لرفع العلم فوق السفارة بعد المصافحة بثلاثة أشهر.. بينما كان السيجار الكوبى قد انتشر مانهاتن، وميامى، ولوس أنجلوس بعد المصافحة التاريخية بأسابيع.
صّدرت كوبا للولايات المتحدة صناديق سيجار من افخر الماركات بنحو 2.5 مليار دولار في شهرين.. خلال الحصار الأمريكى على كوبا، كانوا يصنعون السيجار الكوهيبا والهابانا ويرمون بهم في البحر.. لم تكن كوبا تستطيع أن تبيع أغلى سيجار في العالم لا لدول أوروبا، ولا في الأسواق الأمريكية.. الشهران الماضيان تداول الأمريكان الهبانو.. والكوهيبا مقابل 135 دولارًا للواحد.. بعد أن كان المواطن الكوبى الفقير يدخن 3 سيجارات من الأنواع نفسها ويوميًا خلال فترة الحصار الاقتصادى ببلاش.. بدلا من أن ترميه الحكومة في البحر.
توعد أوباما كاسترو بالغزو الثقافى.. لكن كوبا هي التي بدأت الغزو على حق ربنا، فالسيجار في كوبا رمز صناعة شعبية وتراث.. ثقافة الكوبيين وتراثهم هو الذي غرق أسواق بلاد أوباما أسرع مما يتصور أوباما نفسه.
انتصار جديد.. أكيد
ينطق الكوبيين نوع "الهافانا" هكذا: "هابانو".. والعود الواحد من عمود الدخان"هابانا" يصّنع يدويا، ومن ورقة دخان واحدة كاملة، تلفها عذارى من جنوب الكاريبى على أفخاذهن، أما "الكوهيبا".. فتحشيه العذارى من الجنوب الكوبى بأيديهن المعطرة "بماء الورد ورائحة التوت".
وصل التراث الكوبى الولايات المتحدة، قبل وصول علم الولايات المتحدة إلى سفارتها في كوبا، والضربة الكبرى.. أن الكوبيون رسموا على علب الهافانا.. والكوهيبا الخشب، بيتا خشبيا قديما وكتبوا تحته: "فيفا أرنستو جيفارا".
كان قلم على وجه الأمريكان.. وضربة بشاكوش كبير على رأس أوباما وإدارة أوباما، فالبيت الخشبى هو المكان الذي قتل فيه جنود المارينز تشى جيفارا.. زعيم المقاومة الكوبية، ورفيق كفاح "فيدل كاسترو" ضد القوات الأمريكية في السبعينيات من القرن الماضى.
عذب جيفارا جنود الولايات المتحدة، وطياريها.. وجواسيسها وأجهزة التصنت والتتتبع الدقيقة.. غلبّهم، وأضاع النوم من أعينهم، إلى أن استطاعوا أن يقبضوا عليه، ويعذبوه.. ثم يقتلوه دون محاكمة.. ليدفنوه مكان ما قبضوا عليه.. ثم أخفوا مكان دفنه، تنكيلا به، وحرقا لقلب الكوبين.. ومحاولة لإلغاء ذكراه.
لكن جيفارا ظل ذكرى..وميزان..ومعيار للمقاومة..والوطنية.. قبل عامين، وبالصدفة، عثر الكوبيون على رفات جيفارا في جراج سيارات بجانب البيت الخشبى إياه.. فأعادوا دفنه في جنازة عسكرية.. وسخروا من البيت الأبيض، بدعوته لإيفاد مندوب لحضور مراسم الدفن !
لم يعذب الأمريكان في حربهم ضد كوبا، أكثر من جيفارا وكاسترو.. جيفارا مات، بينما أصبح كاسترو زعيمًا وبطلا قوميًا.. ورئيسًا لكوبا لأكثر من 30 عامًا، استمر جيفارا رمزًا للصمود.. بينما استمر السيجار الكوهيبا تراثًا، اقترح الرئيس كاسترو أكثر من مرة إضافة صورة له إلى علم البلاد.
عفاريت الكوبيون.. غزو سيجارهم الأسواق الأمريكية، وعليها صورة مكان دفن جيفارا كف شديد على وجه أوباما.. صحيح واشنطن نظمت احتفالا لا مثيل له خلال مراسم رفع العلم على سفاراتها.. لكن الذي أثار العالم، في القصة.. أن جيفارا الذي قتل، ودفن، بلا صلاة.. ولا قراءات مقدسة.. ولا حتى قبر مناسب.. عاد ليذكر الأمريكيين.. بحكايات المقاومة الكوبية.. ضد الاستعمار.. وضد فرض "الأمركة" بالقوة على خلق الله.
توعد أوباما الرئيس الكوبى راؤول كاستروا بغزو بلاده بالثقافة.. رد كاستروا وقتها بابتسامة.. وبعدها بعلب خشبية للهافانا.. والكوهيبا.. وصورة لقبر جيفارا.
كسبت كوبا بعد أعوام من الحصار الأمريكي الاقتصادى، والسياحى، والصناعى.. في النهاية رزعت الولايات المتحدة قلم على الوجه.. أحدث صوتًا.. وطرقعة.. وفى الطريق للمزيد.
ففى بلاد الكاريبى أيضًا.. أن "اللى يطرّقع ما يتحسبش" !!