رئيس التحرير
عصام كامل

لا تقل بلطجيا... قل مواطنا مثاليا شريفا!


ثمة مشاهد عبثية لا تليق بمصر أبدا مهما كان حجم وطبيعة وغاية الاختلاف مع النظام الحاكم برمته أو مع الحكومة أو مع الرئيس فقط، فلم تكد تمر ساعات عن الدعوة الصريحة للتظاهر ضد قانون الخدمة المدنية والذي لم يتم تطبيقه على الجميع، حتى ظهر لنا أول مذيع أو قل مقدم برامج في قناة خاصة يتوعد الجميع ويهدد من يتجاسر ويجرؤ على مجرد التقدم بإذن للمظاهرة!


تبع ذلك حقيقية بديهية عند كل مذيع يعتبر نفسه متحدثا رسميا باسم الحكومة بأن المظاهرة بالطبع سوف ترفض ولن يُصرح لها لأنها ضد (الدولة) وضد (الوطن) وضد النظام وتهدف لإسقاط الدولة... يا ساتر يا رب.. مجرد مظاهرة أو حتى التقدم بطلب لتنظيم مظاهرة سيسقط دولة ووطنا.. والأهم بالطبع حكومة نظام أتى عبر تظاهرات حاشدة تم توثيقها وتصويرها جوا وأرضا من قبل مخرج سينمائى محترف، وما زال حتى يومنا هذا يتم استدعاء أحداثها في كثير من القنوات الفضائية لتذكير الناس بها !

ثم إذ فجأة يطل علينا أحدهم لقول لنا خلاص (بح مظاهرات).. 30 يونيو كانت آخر مظاهره في تاريخ مصر ومن لا يعجبه فلا يلومن إلا نفسه!.. يبدأ التهديد والوعيد من قبل المتحدث باسم خياله المريض، فيلجأ الداعون للمظهر لنص الدستور ثم القانون ولا يجدون مخرجا سوى في تسميتها (وقفة) احتجاجية أسوة بأمناء الشرطة الذين فعلوا كل ما يريدون تحت اسم (وقفة) !

ولكن ذلك لم يكن ليمنح أمانا كافيا لهؤلاء المحتجين فقرروا الاحتماء بحديقة الأزهر والمخصصة لتلك الوقفات قانونا من قبل محافظ القاهرة ولسان حالهم يقول (أهوه يا جماعة) نحن مهذبون وطيبون وغلابة وبنسمع الكلام وسنحترم أنفسنا بالاحتجاج فقط في مكان مغلق ولكن.. ماذا حدث ؟

ظهر الباشا الإعلامي صاحب الصلاحيات المطلقة ليهدد المحتجين بالسادة المواطنين الشرفاء والذين سيعلمونهم الأدب جزاءً وفاقا لما فكروا فيه من التظاهر ضد قانون يحسبونه شرا لهم وهو بالطبع خير لأنه سيادة المذيع قال كده !

بالطبع بعض الخبثاء يقولون إن لفظ المواطنين الشرفاء هذا يعنى أو يلمح أنهم بلطجية والعياذ بالله!! بالطبع لا ولكنهم في الواقع مواطنون من جينات خاصة تلعب فيها الوطنية دورا بارزا يفوق كرات الدم الحمراء والبيضاء في دمائهم الزكية التي تدفعهم لتهذيب كل من يفكر في التظاهر ضد الدولة أو القانون أو حتى سيادة المذيع وحيلتهم في ذلك قانونية ومشروعة وبريئة وهى التظاهر.. التظاهر ضد التظاهر..لا تخرج قبل أن تقول ارحمنا يا رب !

مشهد ليلى آخير، مذيع آخر وجد نفسه خارج إطار الوطنية بعدم التحريض ضد المتظاهرين المحتجين ضد القانون فقام على الفور بإخراج كل ما لديه من وطنيه واستضاف هؤلاء (الأنقياء) حسب وصفه، من المواطنين الشرفاء ليلا في برنامجه حتى يقنع الناس بأنهم ليسوا بلطجية أو شيئا من هذا القبيل ولكنهم مثاليون وخائفون وقلبهم مفطور على الوطن لدرجة أنهم خرجوا لوجه الله والوطن دون مقابل أو حتى دعوة تحريضية ضد أعداء الوطن !

مشهد أخير جانبى موح جدا، أحد المتظاهرين أو المحتجين ضد القانون كان يرتدى قميصا ملصوقا عليه صور الرئيس وعبارات تستعطف الشرطة وتبين لهم آه والله ليس تبع الإخوان أو أي فصيل، لكنه فقط محتج !
fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية