سر الساحل الشمالي
هنا تنبض ذكريات 25 سنة في القرى البديعة، التي ترسم لوحة رائعة تجعل من الساحل الشمالي بقعة لها تفردها من الجمال..
هنا تتعانق شمس سبتمبر الفاترة التي وصفها عبد الرحمن الشرقاوي في رواية الأرض، مع هواء أكتوبر المفعم بالنسمات الطرية الباردة التي تحدث عنها نجيب محفوظ في رواية الطريق.
اللون الأزرق الصافي يغطي البحر الممتد فرحا وبهجة، وكأن أمواجه تستقبل المصيفين بالرقص المتواصل.. ونسماته لها عطر خاص لا تجده في البحر الأحمر المكفهر دائما بحرارته القاسية صيفا وعتمته في الشتاء.
العين تعشق مشهد القري السياحية بأحجارها الصفراء ومساحاتها الخضراء، وهي تعانق البحر بزرقاوته الصافية، تحيط بها مساحات من الرمال البيضاء الناعمة وكأنها ترتدي ثوب العرس.. تشع بهجة ونقاء.
شبابي وطفولة أولادي وذكريات كثيرة عبر سنوات طوال تتقلب بين عشرات القري وتجعلني أشتاق لهذه البقعة.. من هنا مرت الأيام الخوالي.. من شاطئ شهر العسل حتى مرسي مطروح.
وبقدر ما يفرحنا الساحل الشمالي.. بقدر ما يؤلمنا أيضا، فهو شاهد عيان على الفساد المنظم والممنهج منذ عهد مبارك وحتى الآن.. بعد أن تآمرت مؤسسات الدولة الظالمة على ثورة 25 يناير ليستمر مسلسل نهب الأراضي.. ليس فقط الساحل الموازي للبحر ولكن لظهيره الصحراوي الممتد لمساحات شاسعة يستولي عليها أتباع الدولة العميقة من كيانات وأفراد وهيئات سيادية.. وكم من جرائم ترتكب تحت شعار "سيادية".
وما تم كشفه في قضية فساد وزارة الزراعة لا يساوي شيئا أمام ما يتم إخفاؤه.. وغير مسموح لأحد أن يكشف ما لديه من معلومات ومستندات.. ليس فقط لوجود حظر نشر من النائب العام على القضية ولكن أيضا لوجود قائمة من الاتهامات المعدة سلفا لأي شخص يتحدث عن الفساد.. ففي هذه الحالة سيتحول إلى إخواني وإرهابي وعدو للوطن ويكره الخير للشعب.
هي فعلا كوميديا سوداء.. نعيشها كل لحظة.. نضحك أحيانا.. ونبكي أحايين .. وتمنيت أن تتحقق أمنية صديقي الذي يحلم بأن تظل مساحات الصحراء الغربية المزروعة بالألغام منذ الحرب العالمية الثانية كما هي؛ حتى نضمن مساحة من أرض مصر للأجيال القادمة.. ولو تم نزع الألغام من هذه الأراضي الآن سيتم نهبها ولن يبقى لأحفادنا شبر واحد!!