وبدأت الحرب ضد الفساد
بادئ ذي بدء يجب التأكيد على القاعدة الإنسانية والقانونية أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، كما أننا نلتزم بقرار السيد القائم بأعمال النائب العام بحظر النشر في قضية وزير الزراعة المُقال والمتهم بجريمة الرشوة، وأيضًا لن نعرض لتحقيقات النيابة العامة مع البرلماني السابق ورئيس جمعية مكافحة الفساد المتهم بالابتزاز.
غير أن هذا وذاك لا يمنع المرء من الخوض في "الهم الأكبر" و"الوباء الأخطر" الذي تجذّر في جُل مؤسسات الدولة وانتشر – ولا يزال – في جنبات المجتمع منذ عقود عديدة، ألا وهو الفساد بكل أشكاله وألوانه ورموزه، والذي لم يفرّق بين صغيرٍ وكبير، وبين خفيرٍ ووزير، وبين فقيرٍ ومحتاج وبين ثري وميسور!
إن قضية الوزير المُقال، ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، حيث إنه من واقع الأمور وواضح الشواهد أنها ستفتح معظم "دفاتر الفساد" المغلقة منذ سنوات، وستكشف المخبوءات التي خبّأها الفاسدون ويحاولون الآن إخفاءها بكل الطرق والوسائل التي تمكنهم من ذلك.
لقد سبق محاكمة رئيسي وزراء ووزراء، سواء بعد إقالتهم من مناصبهم أو بعد ثورة يناير 2011، ولا يزال هناك رئيسان سابقان أمام القضاء بتهم مختلفة.
وتجدر الإشارة هنا أن ترتيب مصر جاء في المرتبة الـ 94 من بين 175 دولة في مؤشر "منظمة الشفافية الدولية" ببرلين ( ديسمبر 2014 ) الذي يتعلق بجهود الدول في مكافحة الفساد، وإن كان هذا الترتيب قد تحسن بعض الشئ عن السنوات السابقة، إلا أنه يعد مؤشرًا خطيرًا ودلالة واضحة على أن مصر الدولة لم تقم بالسعي الحثيث والإجراءات الكفيلة بمكافحته والحد من انتشاره والقضاء عليه.
كما تشير تقارير العديد من الأجهزة الرقابية والمركز المصرى للشفافية ومكافحة الفساد إلى إهدار ربع الموازنة العامة للدولة، واستفادة مافيا الفساد بهذه المبالغ والتي تتراوح بين 170 مليارًا و200 مليار جنيه من موازنة العام الماضي.
إن الحديث عن الفساد يجب أن يكون بمفهومه الشامل، وليس قصره على المفهوم المحدود في "الفساد المالى"، لقد نخَر سوس الفساد السياسي والحزبي والحكومي والإعلامي والمالي أسس وقواعد المجتمع المصري ليصل به للفساد الأخلاقي الذي طال أفراده – كباره وصغاره – وأصبح السعي للمال واكتنازه بأي طريقة هو الهدف الأسمى والشاغل الرئيسي لكل مواطن، فتوارت القيم والمُثل وتراجعت الأخلاق الحميدة والصفات المميزة للشعب المصري الذي دائمًا يُقال عنه "إنه شعب متدين بطبعه"! فاختفت قيم العمل وأمانته ودقته وتلاشت صور التلاحم إلا قليلا بين أفراد الشعب، وانتشرت "الفهلوة" بين أوساط الناس.
لقد كشفت الأحداث الأخيرة عن مدى جدية "مصر الجديدة" في محاربة الفساد المالي والإداري للحكومة ومسئوليها وموظفيها، ولعلها تكون بداية حقيقية لخوض غمار الحرب الضروس ضد الفساد بكل أشكاله ورموزه، والتي لا تقل خطورة وأهمية عن الحرب الأخرى التي تخوضها مصر بشعبها وقواتها المسلحة وشرطتها المدنية ضد الإرهاب.