تورط جهات رقابية في قضايا فساد!
منذ عهود، وقبل التحاقي بالعمل في بلاط صاحبة الجلالة، ونحن نسمع، ونشاهد، ونقرأ، ونكتب عن قضايا فساد في وزارات، وهيئات، وجهات سيادية، وبعضها مصحوب بالمستندات، وتقارير الجهات الرقابية، وأحكام قضائية نهائية.
كتبنا عن الفاسدين في وزارة الزراعة، منذ عهد وزيرها الأسبق يوسف والي.. فماذا كانت النتيجة؟.. أطيح بعدد من القيادات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، بينما الأكثرية لم يمسسها سوء، وكوفئت بالترقي إلى مناصب أعلى.
كتبنا عن الفاسدين في وزارة الأوقاف، وأُحيل بعض القيادات؛ لتعيين مَنْ يدفع لهم.. وكتبنا عن واضعي اليد على أراضي الوزارة.. وعن المال المنهوب فيها.. وعن دعاتها المنحرفين.. فكانت النتيجة «صفر»!
كتبنا عن الفساد في الشرطة، والإعلام، والمالية، والبترول، والكهرباء، والاتصالات، والتعليم، والبيئة.. فكانت النتيجة «صفر كبير»!
كتبنا عن الفساد الظاهر لكل ذي عينين بطريق مصر إسكندرية الصحراوي، والساحل الشمالي، وطريق الإسماعيلية، والوادي الجديد، والواحات، وسيناء.. فكانت النتيجة «صفر أكبر»!
كتبنا عن مافيا «تسقيع» الأراضي، وعصابة تأشيرات الحج، وشلة المتاجرين بطلبات العلاج على نفقة الدولة، وجماعة الاستيلاء على وحدات سكنية مدعمة، وفساد وزراء سابقين وحاليين، ومحافظين، ومسئولين، ورجال أعمال، وأجهزة محلية، سرقوا ونهبوا أموال الشعب.. فكانت النتيجة أنهم أخرجوا لنا ألسنتهم، وضربونا - لا مؤاخذة - بـ«الشلوت» على «مؤخرتنا»!
بُحت أصواتنا في الحديث عن الفساد والفاسدين، دون جدوى؛ لأننا انتقلنا من مرحلة «فساد الدولة» إلى «دولة الفساد»، وأصبحنا «فشلة» في إدارة أي شيء، إلا أننا أبهرنا العالم في إدارتنا للفساد، ومكافأة الفاسدين.
الآن، تشن الأجهزة الحكومية حملات «مشكورة» على الفساد.. لكن تبقى تساؤلات: أين كان رجال هذه الأجهزة طوال العهود السابقة؟.. وما دورهم في كشف الفساد والفاسدين في مؤسسات الدولة؟.. وما مصير التقارير التي أعدوها عن «توشكى» و«منجم السكري»، و«شرق العوينات»، و«الخصخصة»؟.. وأين ذهبت التقارير التي أعدوها عن الفاسدين والمنحرفين والمتواطئين؟.. ولماذا لم يخرجوا علينا ليعلنوا للشعب فحوى هذه التقارير؟.. وهل صمتهم إشارة ضمنية عن تورط بعضهم في التستر على انحراف وتجاوزات بعض القيادات في الهيئات التي يراقبونها؟.. وارد جدًا.
يقولون إن البقاء في المنصب لمدة طويلة يصيب صاحبه بـ«الكسل»، و«الملل»، وربما «البلادة».. ويقولون أيضا إن استمرار الشخص بمنصبه في بيئة فاسدة يُولد «أُلفة»، و«ونسًا» مع الجو المحيط به، وربما «يتلوث»، أو «ينوبه من الفساد جانب»؛ ولعل ذلك يفسر لنا سر الشائعات التي تصب في خانة تورط بعض رجال الجهات الرقابية في مساندة ومعاونة الفاسدين، سواء بتسهيل حصولهم على ما ليس من حقهم، أو بالصمت على ما نهبوه من أموال الشعب.. وإلا بِمَ نفسر استبدال الرقابة الإدارية أعضاءها في جميع الوزارات والهيئات التابعة، الشهر الماضي؛ لمتابعة الملفات والمشروعات القائمة والجديدة ومكافحة الفساد بهذه الوزارات؟
إن «الفساد» هو الشيء الوحيد - تقريبًا - الذي يتمتع بنفوذ، وحماية مطلقة.. فعشرات «القوانين» في مصر تشجع على الفساد والإفساد.. ويكفي أن تعلم أن الحكومة «تقنن» وضع اليد على أراضي الدولة التي استولى عليها الفاسدون.. وتكافئ الفاسد بـ«ترفيق» المنتجعات السكنية، والقرى الترفيهية للأراضي التي حصل عليها بغرض استصلاحها للزراعة.. كما تكافئ الشخص الذي بنى عمارات «مخالفة» على الأراضي الزراعية بإدخال الماء والكهرباء والغاز إلى هذه الوحدات، من خلال حكم محكمة، وبغرامة لا تذكر.. وهناك ملايين الأمثلة على تشجيع الفساد، ومكافأة الفاسدين.
أصبح لدينا جهات وجمعيات ومراكز مهمتها الأولى حماية الفاسد، والمحتكر، والمغتصب، والمرتشي، والنصاب، والاستغلالي، والانتهازي، والمشهلاتي.. بدلا من حماية المستهلك ورعاية مصالح الشعب.. الأمر الذي يتطلب من الحكومة الجديدة، إيجاد إستراتيجية شاملة، وتحديد رؤية واضحة؛ لمكافحة الفساد.. غير ذلك نكون كمن يحرث في البحر، ولن يجدي استبدال أشخاص بآخرين.