رئيس التحرير
عصام كامل

«مريم» ونظرة على المستقبل


"فوجئت بأنهم يعرضون عليَّ تفصيل لجان ثانوية عامة على مقاس ناس معينيـن، يعني أرشح ناس مراقبين معينين لمراقبة لجنة معينة، اللجنة المعينة دي بتضم مدارس لغات، الطالب بيدفع فيها 20 ألف جنيه فلازم تتفصل لجنة الامتحان والكنترول بتاعها على مقاسهم؛ علشان النتيجة تطلع تليق بالمدرسة وعشان مستوى المدرسة يرتفع، يعني مثلا مدارس لغات حنعملها لجنة معينة؛ لأن فيها ناس معينة ومدفوع فيها المبلغ الفلاني، وأنت ليك حصة، ووزير التعليم له حصة، والمحافظ له حصة.. فصُدمت ورفضت ذلك الأمر رفضا نهائيًا، وأرسلت شكاوى لكل المسئولين في الدولة، فأقالوني، وأنا لو حرامي وبفصل لجان امتحانات للطلبة وبسرق، كان زماني وكيل وزارة من سنتين أو ثلاثة، فمصر الآن كن فاسدًا ترتقي".


عبارات موجعة قالها مدير عام الشئون المالية والإدارية بالتربية والتعليم بالدقهلية، على شاشات التليفزيون وأمام الملايين منذ أيام؛ تعقيبًا على قضية الطالبة "مريم ملاك"، التي جعلته يختم كلامه بعبارة "قضية مريم هي قضية تساوي صفر فعلًا، إذا ما قورنت بما يحدث من أهوال".

الغريب في الأمر، أنه بعد مرور أيام ليست بقليلة، لم يقاضِ أحد صاحب هذه العبارات، وانتظرنا "النفي" من الحكومة على ما قاله هذا المسئول، فلم نسمع شيئا، فعرفنا أن الرد هو "الإيجاب".

عبارات المدير العام أظهرت واقعا بدا أسوأ بكثير مما كان في خيالنا، فقد كنا نحارب من أجل تغيير مناهج التعليم البالية الحالية، بمناهج أخرى تأخذ مصر إلى الحداثة.. وبمعرفة تخلق عقولا قادرة على الابتكار، ولم نكن نعلم أن النظام التعليمي ذاته به كل هذا القدر من العوار، ولم نكن نعرف أن الفساد وصل إلى تلك الأماكن وذلك القاع.

العبارات التي قالها المسئول السابق، كاشفة للطريق الذي يجب أن تسلكه الطالبة "مريم" في الأيام القادمة، وفي مستقبلها.. "مريم" تلك الفتاة، الصغيرة الكبيرة، الفقيرة العظيمة، الراسبة المتفوقة.. "مريم" التي وضعت لأجيال طريقًا في مواجهة الظلم بالرفض والحجة والصمود، مريم التي استطاعت بكلماتها وقوتها في الحق، أن تجلب تعاطف الملايين في الداخل والخارج، التي تنتقل من قريتها الصغيرة إلى القاهرة تقريبًا يوميًا، ومن طب شرعي إلى نيابة إلى محاكم بجسدها النحيل؛ تمسكأ بأن تحصل على ما تستحقه.

"مريم" التي ألهمت وستلهم الملايين من بعدها في الإصرار، عليها أن تعي جيدًا أنها وللأسف الشديد، تحارب نظاما فاسدا متكاملا يعيش عليه الكثيرون.

فمن حقها أن تُقاتل كيفما أرادت في إثبات نجاحها بل تفوقها، ولكن في النهاية، عليها أن تعلم أن هذا ليس نهاية المطاف، والفساد لن يقتصر على كنترول ومراقب مرتشٍ اليوم، ولكنها ستواجه نفس الفساد في جامعتها وعملها ومع أساتذتها ورؤسائها غدًا.. وكأن الطريق الذي سلكه المهاجرون زويل والباز ويعقوب ومصطفى السيد وعازر والعريان وسمير بانوب وحجي، ما زال وللأسف هو الطريق الأوحد للنجاح أمس واليوم وغدًا.

نصيحتي لطالبتنا المتفوقة، أن تستجيب لمطلب أحد أساقفة المهجر، أو أحد الفنانين، أو غيرهم كثيرين ممن يرفضون هذا الظلم الواقع عليها، ويمدون لها يد العون في أن تستكمل تعليمها في بلاد تُقدر العلم والعقل، البلاد التي وصفها أحمد زويل بـ"أنها تساعد الفاشل حتى ينجح، بينما بلادنا تحارب الناجح حتى يفشل"، فما فائدة الصياح والصراخ والضجيج ولدينا حكومة ووزارة صمتت على كل تلك الاتهامات والوقائع السابقة التي ذكرها سيادة المدير العام.
الجريدة الرسمية