رئيس التحرير
عصام كامل

الأحزاب الدينية «وباء عابر للقارات».. أوربا ساعدت قادتهم في مصر وتونس.. لإدراكها بأنه الطريق الأقرب لإثارة الفوضي.. انقسام طائفى يهدد «الكيان الصهيوني» ومعركة الحكم بـ«الشريعة

فيتو

ما بين الحديث عن دولة علمانية خالصة، تحترم كل الأديان، ووفقا لمبادئ الديمقراطية فإنها تسمح بتداول كل الآراء، والحديث الدائر عن اتجاه المؤشر الشعبى لكل ما هو دينى عندما تفشل السياسات الوضعية في تقديم حلول ناجزة للأزمات الحياتية، أصبحت الأحزاب الدينية لاعبا رئيسيا في كل الأوساط السياسية.

وجود الأحزاب والقادة الذين يرفعون شعارات «مع الرب هذا أفضل جدا»، لم يكن متشابها في غالبية الدول، فهناك أحزاب دينية، لا تمنح نفسها صفة الحديث بـ»لسان الإله»، وهناك أحزاب في دول أخرى ترى أنها «ما تنطق عن الهوى»، وفى مكان ثالث هناك أحزاب خرجت من رحم الثورات، وأكدت أن «الخلاص بين جدرانها».

الشرق الأوسط كان له نصيب من ظهور الأحزاب الدينية، ومحاولتها السيطرة على المشهد السياسي وتطويعه وفقا لأهوائه، فما حدث في مصر خلال عام حكم الإخوان، يؤكد الأمر، وهناك في سوريا تسعى «القوى الدينية» لفرض سيطرتها، وليبيا وقعت في «فخ الإسلاميين»، ولا جديد تحت شمس الشرق الأوسط، إلا عزل الإخوان عن حكم مصر، وحل حزبها «الحرية والعدالة».

الغرب أيضا كان له نصيب من «كوتة» الأحزاب الدينية، وحقيقة أن الأحزاب الدينية في أوربا والغرب قوة لا يستهان بها تدفعنا للعودة إلى الوراء وتسليط الضوء على جذور تلك الأحزاب، لنجد أن الحركات «الديمقراطية المسيحية» نشأت، بشكل أساسي، مع نهاية القرن التاسع عشر؛ نتيجة لإدراك حالة البؤس التي يعيشها العمال وضرورة عمل شيء بشأنها، وكذلك كرد فعل لتصاعد الحركات الاشتراكية والنقابية، ومن ثم شهدت الديمقراطية المسيحية مراحل تطور عدة.

ويرى بعض المؤرخين الأوربيين، أن بداية عمل الأحزاب المسيحية كانت في الميدان الاجتماعى وليس السياسي، هذا الأمر كثير الشبه بالعديد من الحركات الإسلامية في الوطن العربي، وعلى رأسها الإخوان الذين بدءوا فعليًا في النواحى الاجتماعية ثم بدءوا في ممارسة السياسة تدريجيًا.
ورغم استشهاد البعض بأنجيلا ميركل «الحزب الديمقراطى المسيحي» المشارك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، كذريعة لأحقية وصول الإسلاميين للحكم، إلا أن العام الذي حكم فيه الإخوان مصر خير مثال على مخالفة الجماعة الإرهابية لمفهوم الديمقراطية، وأنه لا يوجد وجه مقارنة بين الأحزاب الدينية في المنطقة وبين نظرائها في الغرب.

أضف إلى ذلك أن الأحزاب الدينية في الغرب ينضم إلى عضويتها أفراد من ملل وديانات مختلفة، بما في ذلك الملحدين أيضًا، أي أن الهدف من تلك الأحزاب ليس إكراه أحد على دين معين، بالضبط كما تنهانا تعاليم الإسلام الصحيحة على عكس الأحزاب الدينية في بلادنا، التي تضع من لا يوافقها في قالب الكفر حتى إن كان من نفس الديانة.

كما أن الأحزاب الدينية في الغرب لا تدعو لإقامة «دولة مسيحية» محلية أو عالمية، ولا تطالب بفرض «الشريعة المسيحية» فوق الدساتير والقانون، ولا يخرجون ليؤكدوا أن «المسيحية هي الحل»، لكنها تمتلك برامج ومبادئ محددة تستهدف في المقام الأول الحياة الكريمة للفرد ونشر الحريات، وبالتالى فإن المقارنة غير عادلة وهى أشبه بمقارنة مياه الشرب بمياه النار.

وفى الوقت نفسه لا يمكن إعفاء الغرب من تورطه في مساعدة الأحزاب الدينية بالمنطقة للوصول للحكم كما جرى في مصر وتونس، رغم أن الغرب يدرك جيدًا شراسة تلك الأحزاب ورغبتها في السطو على الحكم بهدف وأد الديمقراطية وتنفيذ مخططات بعينها، إلا أن المصلحة تحكم في هذا النحو، وخاصة أن الأحزاب الدينية تنفذ ما يمليه عليها الغرب الذي صدّع رءوسنا بالحديث عن الحكم المدنى في الدول العربية.

وتوجد أحزاب ديمقراطية مسيحية في إيطاليا وأستراليا والنرويج والمكسيك وكذلك في النمسا وبلجيكا وفنلندا وأيرلندا ولوكسمبرج ومالطا وهولندا وبولندا وسلوفينيا وإسبانيا والسويد.
غير أن هذه الأحزاب ليس لها وجود ملموس في بريطانيا؛ حيث يقوم حزب المحافظين بدور شبيه، أما في فرنسا فحزب «الاتحاد الديمقراطي» له جذور ديمقراطية مسيحية، لكنه تخلى عن الاسم، وفى برلمان الاتحاد الأوربى يشكل نوابهم جزءا من مجموعة «اتحاد الشعب الأوربى - الديمقراط الأوربيون».

إسرائيل ليست بمعزل عن الحديث بشأن الأحزاب الدينية، التي أصبحت شريكًا من الدرجة الأولى في مؤسسات السلطة والمجتمع الإسرائيلي، وفى بلورة المواقف السلطوية والعمليات الاجتماعية، وأضحت ذات تأثير حاسم على الأحداث المركزية في إسرائيل وعلى مجرياتها السياسية.
وتشهد إسرائيل انقساما طائفيا بدرجة لا توجد في أي دولة أخرى، وتسعى الأحزاب الدينية هناك إلى الوصول إلى الحكم بأى ثمن بهدف تطبيق «الشريعة اليهودية».

ويوجد في دولة الاحتلال أيضا أحزاب دينية ينتمى إليها شخصيات أشد تطرفًا من «داعش» الإرهابي، يكفرون الدولة وكل من يخالفهم، ويطالب أعضاؤها بفرض آرائهم المتطرفة دون مناقشة.
ومن أبرز الأحزاب الدينية المشاركة في الحياة السياسية في إسرائيل حزب «شاس» المتطرف، الذي يشارك في الائتلاف الحاكم برئاسة رئيس وزراء الاحتلال الحالى بنيامين نتنياهو، تأسس على مبادئ التوراة عام 1984، كان يرأسه الحاخام الإرهابى الراحل عوفديا يوسف، الذي يعتبر من أشد كارهى العرب، كما أنه اشتهر بدعوته إلى إبادتهم.
و»شاس» يعد حزبا دينيا غير صهيونى يتكون من اليهود الشرقيين، وهم يهود الدول العربية والآسيوية، وأطلق عليه اسم شاس إشارة إلى حماة التوراة.

وقد خاض الحزب أول معركة سياسية في عام 1983، في انتخابات بلدية القدس وحقق نجاحًا كبيرًا تمكن فيه من الفوز بـ21 مقعدًا، وبعد ذلك فاز بأربعة مقاعد في انتخابات الكنيست، واستمر هذا الرقم في التصاعد حتى يومنا هذا.
وتعد الأحزاب اليهودية جماعة ضغط داخل الحكومة الإسرائيلية، وكان أبرزها الحزب الدينى القومى «المفدال» الذي تأسس عام 1956، وكان شريكًا في معظم الحكومات الإسرائيلية حتى عام 2008، قبيل اندماجه مع ائتلاف الاتحاد الوطنى ليشكل حزب «البيت اليهودي» المتطرف بزعامة نفتالى بينيت.
ومنذ انطلاق حزب «المفدال» ركز جل اهتمامه نحو تعزيز ورعاية الشئون الدينية والسعى للمحافظة على تبنى مبدأ «أرض إسرائيل الكاملة» والمناداة بمبدأ عدم التنازل عن أراضى 1967م.

بعد اندماج «المفدال» في حزب البيت اليهودى المتطرف بزعامة «بينيت» أعلن أعضاء الحزب، الذين يصنفون بأنهم من أشد المتطرفين اليهود، رفضهم التام للمفاوضات وحل الصراع بإقامة دولة فلسطينية، واكتفوا باقتراح وجود حد أدنى من الحكم الذاتى لأقاليم فلسطينية منفصلة عن بعضها، وبكلمة أخرى «كانتونات»، وبطبيعة الحال فإن نسبة المستوطنين في هذه الكتلة هي الأكبر.
اللافت أن الناخبين العرب يصوتون في الانتخابات الإسرائيلية للأحزاب المتطرفة، وترجع دولة الاحتلال أسباب ذلك إلى النشاط السياسي الذي تبذله هذه الأحزاب في البلدات العربية، الذي يشمل زيارتها، ونشر الوعود ذات الطابع الاقتصادى لعرب 48 في الحصول على الميزانيات التي تسيطر عليها في السنوات الأخيرة أحزاب اليمين الإسرائيلي، وكذلك عبر إطلاق وعود تتعلق بزيادة فرص العرب في الاندماج في المؤسسات الإسرائيلية.

تجدر الإشارة هنا، إلى أن الأحزاب الدينية وفرت للكيان الصهيونى مستلزمات طموحاته التوسعية، في حين كان الآباء المؤسسون لهذا الكيان كلهم تقريبا ملحدين غير مبالين بالدين، على الرغم من أن تشريعهم للمشروع الصهيونى برمته جاء من الحكايات والأساطير والمدونات التوراتية.
في السياق ذاته، أكد يعقوب حداى في كتابه «اليهودية في ضائقة المصاريف»، أن تزايد الأحزاب الدينية داخل الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) وداخل الجيش يشكل في نظر العديد من الباحثين والمراقبين للشأن الإسرائيلي يعد، مؤشرًا ذا مدلول هام للخطر الذي يهدد الكيان الصهيونى بحرب أهلية.

وظهر ذلك خلال فتاوى الحاخامات بقتل أو بتوجيه اللعنات والشتائم إلى كبار المسئولين في الدولة كما فعل الحاخام الراحل عوفديا يوسف، زعيم حزب شاس الروحى السابق، حين وصف كلا من نتنياهو بالعنزة العمياء، وباراك بهامان، وشارون بآكل الخنازير، والعرب بالأفاعي، جنبا إلى جنب مع فتاوى تدعو الجنود الإسرائيليين إلى عدم طاعة رؤسائهم بصدد قرارات سياسية معينة كما حصل بشأن منع إخلاء المواقع العسكرية والمستوطنات في الضفة الغربية عام 1995، تنفيذا لاتفاقات أوسلو أو بشأن تطبيق المرحلة الانتقالية بين حكومة رابين ومنظمة التحرير الفلسطينية.

ويرى الكاتب الإسرائيلى موردخاى بيلي، أن المتدينين المتعصبين في إسرائيل (الحريديم) سيتحولون إلى أغلبية في عام 2020 على أبعد تقدير، وعندها حسب رأيه، سوف تفرض الشريعة اليهودية على جميع الأجهزة القضائية، وتعود الأمور إلى سالف عهدها، ويعيش اليهود حسب القوانين المتعلقة بتراث آبائهم منذ القدم.
الجريدة الرسمية