رئيس التحرير
عصام كامل

وكانت لنا يوما «مقرات».. من انتصارات 25 يناير لـ«الهروب الكبير» بعد 30 يونيو.. مكاتب الحرية والعدالة تسكنها الأشباح في حراسة البوابين.. «الوطن» يعانى العزلة ويباشر بعض ال

 مقر حزب الحرية والعدالة
مقر حزب الحرية والعدالة

تزامنا مع نجاح ثورة 25 يناير في إزاحة نظام «مبارك»، بدأ سباق تأسيس وإعلان الأحزاب السياسية في مصر، بمختلف توجهاتها وأيديولوجياتها الفكرية، حتى أصبح على الساحة السياسية ما يتخطى 100 حزبًا، من بينها عشرة أحزاب على الأقل ذات مرجعية دينية، غالبية تلك الأحزاب يمكن القول أنها خرجت من «عباءة» جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية، إلى فكر، مثل حزب الحرية والعدالة، وحزب مصر القوية، وحزب الوسط.


«الجماعة» لم تكن وحدها القوى الإسلامية التي حاولت الاستفادة من المشهد والزخم الثورى، حيث لحقت بها أيضا الدعوة السلفية التي استطاعت أن تفرض نفسها على الملعب السياسي، في مرحلة ما بعد الثورة، وبدأت كيانات موالية لها في الإعلان عن تأسيس أحزاب ترفع شعارات الدعوة السلفية وتتبنى المنهج السلفى في العمل السياسي، مثل حزب النور، والوطن، والفضيلة، والأصالة، والبناء والتنمية.

والمتابع الجيد للملعب السياسي، وتحديدا بعد 25 يناير، يدرك أن الأحزاب الدينية، وعلى رأسها حزب جماعة الإخوان الإرهابية، كانت بمثابة «قوة ضاربة» حيث، استطاعت السيطرة على برلمان 2011 - 2012، في حين كانت القوى المدنية تحاول لملمة شتاتها، وتصارع هشاشتها وضعف وجودها على الأرض، لتحظى بما خلفه التيار الديني، وراءه من فتات المقاعد للتواجد بمجلسى الشعب والشوري.

اقتناص الإخوان كرسى رئاسة الجمهورية، أمر ثان تؤكد المشاهدة المتأنية أنه كان نتيجة حتمية ومنطقية، بعد سيطرة أنصار التيار الديني، على البرلمان ومجلس الوزراء، والمحليات، وغالبية النقابات، بالإضافة إلى الظهير الشعبى الجارف من البسطاء الذي انضمت إليه بعض الحركات الثورية انذاك في ظل ضعف القوى المدنية، وانقسامها.

يمكن القول إن السياسة في مصر دانت للتيار الدينى خلال عام حكم جماعة الإخوان الإرهابية، وانتشرت مقرات الأحزاب الدينية، في كافة ربوع الجمهورية، في ظل توقف الملاحقات الأمنية، التي أجبرت رموزه وأفراده على العمل تحت الأرض طوال السنوات الماضية، واختلطت السياسة بالفتاوى الدينية، التي ملأت كل وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة، وضج بها الناس لشذوذها ليس فقط عن المجتمع المصرى بل وعن الفطرة البشرية المعتدلة السليمة.

سرعان ما انتهت تبعات الثورة لتأتى 30 يونيو، الذي يؤكد الخبراء والمحللون السياسيون أنها لم تكن مجرد رفض شعبى لمشروع القوى الدينية المتمثل في إقامة خلافة إسلامية، تدار بمنهج مستوحى من فهمهم وتفسيرهم القاصر عن تعاليم الدين، بل امتد إلى مناصبتهم العداء لفظا وفعلا من كل طوائف الشعب البسيطة قبل المثقفة.

وفى ليلة وضحاها تلاشى الظهور الفج والممتد للأحزاب والشخصيات التي أعلنت عن تواجدها أثناء عام حكم الإخوان، وفضلت رموز التيار الدينى الاختفاء إعلاميا، ليس هذا فحسب لكن سيناريو «الهروب الكبير» امتد لمقار تلك الأحزاب، فسرعان ما أغلقت العشرات من مقار الأحزاب الدينية أبوابها، وتم رفع اللافتات من واجهات البنايات، في ظل تصاعد حدة الغضب الشعبى واقتحام وإحراق مقر جماعة الإخوان الرئيسى بالمقطم، بالإضافة العديد من مقرات حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة في عدد من المحافظات.
كان حزب النور أول حزب ذى مرجعية سلفية يتقدم بأوراق تأسيسه عقب ثورة 25 يناير، كذراع سياسية للدعوة السلفية في مصر، ويعد الحزب الدينى الوحيد الذي ما زال يتسم بالتماسك والتواجد على الأرض بعد ثورة 30 يونيو، وسط تراجع دور باقى الأحزاب الدينية بشكل ملحوظ.

النور.. يغرد خارج السرب
«النور» اتخذ مقرا رئيسيا له بمنطقة كورنيش المعادي، بالإضافة إلى مقاره المنتشره في محافظة الإسكندرية، ثم أعلن الحزب نقل مقره الرئيسى إلى مدينة نصر، بعد مشاجرة وصفها حارس العقار بـ»العنيفة» بين قيادات الحزب، أدت إلى انقسامه واستقلال الدكتور عماد عبد الغفور مع بعض أعضاء الحزب وتأسيس حزب جديد باسم «الوطن».
رفعت لافتة حزب «النور» من أعلى البناية، واكتفت قيادات الحزب الجديد (الوطن) ببعض الملصقات على المقر الذي أغلق أبوابه معظم الوقت أمام الزائرين، على قلتهم، حيث تنحصر نشاطات الحزب، كما هو معلن على لسان رئيسه، في محاولات إعادة الهيكلة بعد انفصالهم عن تحالف دعم الإخوان، والقيام ببعض الأنشطة الخدمية في قرى الوجه البحرى والصعيد.

الوسط.. اللعنة تلاحق «المنشقين»
تأسس حزب الوسط عام 1996، على يد القيادى الإخوانى السابق أبو العلا ماضي، وتم الاعتراف بالحزب رسميا عقب ثورة 25 يناير، واتخذ الحزب شقة سكنية بشارع القصر العينى في وسط البلد مقرا له، ثم غادرها إلى المقطم عقب ثورة 30 يونيو، وتحول مقر وسط البلد إلى مركز للدراسات الدولية تابع للحزب.

الفضيلة.. حزب «المقر التايه»
أما حزب الفضيلة، الذي شارك في تأسيسه الدكتور خالد سعيد المتحدث الرسمى للجبهة السلفية، فقد اتخذ شقة في شارع عبد اللطيف حمزة بمدينة نصر، مقرا رئيسا له، لكنه أغلق أبوابه ورفع لافتات الحزب قبل عام، دون الإعلان عن مقر آخر لهم.

ودشن عدد من المنشقين عن حزب الفضيلة، حزبا جديدا يتبنى الفكر السلفى أيضا تحت مسمى «الأصالة»، واتخذوا مقرا رئيسيا لهم بشارع أحمد الزمر بمدينة نصر، لكن تخلوا عن المقر قبل أشهر معدودة، واقتصرت انشطة الحزب على بعض البيانات التي تصدر من آن لآخر، وذلك بعد هروب إيهاب شيحة رئيس الحزب إلى قطر، عقب فض اعتصام رابعة.

«العدالة والتنمية» في حراسة «البواب»
كما تحول المقر الرئيسى لحزب العدالة والتنمية، الكائن بشارع رمسيس في حى الأزبكية إلى مكتب محاماة، حيث أوضح حارس العقار أن صاحب المكتب ويدعى «سيد عبد الستار»، أنه يتسلم كل الخطابات الموجهة للحزب، الذي توقفت كل أنشطته وبياناته الرسمية منذ أشهر مضت.

وفى عام 2011، أسس طارق الزمر حزب البناء والتنمية ليكون الذراع السياسية للجماعة الإسلامية في مصر، واتخذ مقرا له بشارع شهاب بالمهندسين، دون وجود لأى لافتات أو ملصقات تشير إلى وجود مقر الحزب بالمنطقة، وذلك بعد هروب «الزمر» إلى قطر عقب ضبط رموز الجماعة المتورطين في اعتصام رابعة.

مكتب محاماة في «الإصلاح»
في السياق ذاته أغلق حزب الإصلاح الذي دشنه عدد من الشباب السلفي، مقره الرئيسى بشارع النصر في مدينة نصر، عقب ثورة 30 يونيو، وتحول إلى مكتب محاماة، وتوقفت جميع أنشطة الحزب السياسية.

وهذه هي حال بقية الأحزاب الدينية التي تحولت إلى قنابل موقوتة جاهزة للانفجار بمجرد الإشارة إليها.
الجريدة الرسمية