رئيس التحرير
عصام كامل

سيادة النائب «في أي حتة بينور»


دقت ساعة الكذب والخداع والتمثيل على الشعب باسم الديمقراطية والحرية، وحان وقت ارتداء الأقنعة وتطويع الدمع وتمرين طبقة الصوت متى تعلو متناغمة مع إصبع السبابة ومتى تخفض مع ارتعاش الإصبع الأخير.


شخصيًا لا أقتنع بفكرة مجلس النواب في مصر، ليست دكتاتورية مني لكني لا أحب التمثيل، وفي بلد مثلنا لا يوجد فيه ديمقراطية فإن الذي يحدث نوع من البجاحة، فأسطورة أن مصر أقدم الدول التي عرفت البرلمان يقابلها دومًا في مخيلتي أن مصر هي أقدم دولة تم حل البرلمان فيها بأوامر ملكية أو جمهورية وأحيانا لأخطاء دستورية.

ملئت اللافتات الشوارع والمدارس بالمرشحين الأفذاذ الذين سينقلون مصر إلى مصاف الدول العظمي، كان حظي أن أعرف الكثير من المرشحين في دائرتي، أراقب سلوكهم، أسمع عنهم كثيرًا حتى استوقفني أحد النماذج وأقول نموذجا لأن مثله موجود في كل دائرة في مصر.

تحت عنوان أستاذ في إحدى الجامعات الخاصة الشهيرة قدم نفسه كمرشح في انتخابات مجلس النواب في برلمان 2012، اسم مجهول لا أحد يعلمه بل الكثير منهم لا يعلم إن كان يسكن في الدائرة التي ترشح فيها أم لا لكنه حظى باحترام الكثيرين، أستاذ جامعي، شاب، متخصص في الاقتصاد، كل شيء متوفر كي يحظى بالقبول وتمت الانتخابات لكنه لم يحالفه التوفيق.

حتى تلك اللحظة كان الرجل بالنسبة لي عاديًا، سمعت ثناء قيادات حزب النور عليه في الدائرة وإنهم أمروا أتباعهم بالتصويت له في الدائرة لكن ذلك لا يهم سلوك الرجل بعد ذلك هو ما أدهشني خاصة مع حل البرلمان وقيام ثورة 30 يونيو والحديث عن انتخابات جديدة.

من وجهة نظري الساذجة كنت أظن أن الرجل يملك من العلم والرقي ما يجعله يدير حملته الانتخابية بشكل يليق به دون المتاجرة بالدين أو العمل، تمنيت أن يظهر الفرق بينه وبين أي مرشح آخر لكنه خيب ظني كثيرًا، وبداية من اسم الجامعة الذي اتضح أنه لا يعمل بها وإنما يعمل في جامعة أخرى أقل شهرة وصولًا إلى لافتات على كل المحال، إعلان بترشحه وبتضامن الناس معه، لم يترك محلا إلا ووضع عليه صورته حتى محال الكبدة.

يمكن أن نعتبر الأمر عاديًا في ظل صراع انتخابي يدهس في طريقه الأخضر واليابس قبل أن يمر علينا عيد الفطر، اعتدت منذ الصغر أن أرى سرادق عيد الفطر تحت سيطرة جماعة الإخوان ومن بعدهم النور، لا يزيد ذلك من كرهي لهم في شيء فتواجدهم أو عدم تواجدهم لن يغفر لهم النزعة الانقسامية التي نشئوا على أساسها لكن ما أدهشني هو ذلك المرشح أستاذ الجامعة نابغة الاقتصاد وهو ينشر رجاله في السرادق ليبشروا به، ما الذي يفرقه عن باقي الجماعات الراديكالية أليس هذا استغلالا للدين أيضًا، إقحام للسياسة في الدين وإفساد لحظة فرحة للمصريين بلافتات سياسية رخيصة؟

الرجل الذي استغل الدين للترويج لنفسه، بعد أن ادعى أنه مستقل تم ترشيحه على قائمة أحد الأحزاب، الغريب أن الحزب في تلك المرة بعيدًا كل البعد من الناحية الأيديولوجية عن حزب النور الذي أثنى عليه ولإثنائه مغزى، ناهيك عن أوكازيون فرص العمل التي بشر بها الرجل من أجل كسب الأصوات.

نحن أمام مرشح مستقل، تارة يؤيده حزب النور وتارة حزب آخر مختلف الأيديولوجية، وأمام أستاذ جامعي كذب في اسم الجامعة التي يعمل بها ثم استغل الدين للترويج لنفسه ووزع لافتاته على كل المحال من أجل أن يدخل البرلمان.

هذا النموذج اللاهث وراء السلطة و"في أي حتة ينور" ما هو إلا دليل واضح على الكثيرين من المرشحين المحتملين للبرلمان، ربما وددت أن أنبه أخى القارئ لا تنخدع بهم فسواء كانوا ببدلة وكرافتة أو بجلباب ولحية كلهم يتبعون نفس الأمر، يلعبون على مشاعر المصريين ويعطون حينما يحتاجون صوته، لديهم القدرة على التخلي عن أي شيء إن كان الأمر في صالحهم، وأنت ترى ذلك كله تذكر مقولة الأستاذ هيكل "لن توجد ديمقراطية دون التخلص من سيطرة رأس المال والدين " .
الجريدة الرسمية