حق الشعب في الفضيحة
ربما لا يدرك بعض المسئولين أننا أصبحنا نعيش في عالم مفتوح بلا سقف وبلا حدود وبلا أسرار أيضا، ربما مازالوا يعتقدون أن سياسة حظر النشر قد تجدي مع تكنولوجيا متاحة ورخيصة تنشر الخبر لملايين البشر في لحظات خاطفة، لكن الأسوأ من كل هذا أنهم لا يدركون أن الواقع هو أكبر فاضح لأي فساد، وأن عالم الستينيات والسبعينيات لم يعد موجودا، وأن عالم أبواق النفاق لم يعد مؤثرا إلا فيمن يحب أن يخدع نفسه!
ربما اندهش السيد محلب، من أن صحفيا تونسيا قد أحرجه بالأمس بسؤاله عن قضية القصور الرئاسية أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وادعائه بتورطه شخصيا بها، التي تمثل قصورا واضحا في محاكمة الفساد حتى الآن، ولكن.. هذا حال من يعيش خارج مصر ويعرف قضايا فساد محلية خاصة بنا، فما بالك بمن يعيش داخلها؟!
لا تحتاج بالضرورة أن تكون بدرجة رئيس وزراء، لتكتشف الفساد ولا حتى بدرجة وزير أو مساعد وزير أو موظف عام في هيئة رقابية، قد لا تحتاج أكثر من السير في أي طريق صحراوي أو زراعي أو على حدود مدينة جديدة لترى بعينيك الفساد متألقا ومتبجحا وجسورا، يقول لك بأعلى صوت أجش متاح له: هذه هي أرضي أنا.. أرض معالي سيادة الباشا الكبير فلان نسيب الباشا العظيم فلان وشريك سيادة معالي فلان ابن فلان.. بس خلاص، انتهت الحكاية!
هل يساورك شك في أن هؤلاء فاسدون وارثون لتركة ووسية فاسدهم مبارك، الذي ما زال هناك سفلة من بيننا ينادون بتكريمه!!.. هل لديك أدنى شعور بالريبة من أن تلك الأراضي مسروقة أو منهوبة أو موزعة (منح) بالفساد والضلال والحرام على عصابات أفقرت مصر وأنهكتها، وهبطت بها لمستنقع عفن قوامه التمييز إيجابيا لمن لا يستحق وإفقار كل من يستحق!
لسنا في حاجة لفضح وزير مثل وزير الزراعة، وفتى فساد كل العصور المدعو محمد فودة، الذي خرج من السجن في قضية فساد في 2006، ليصبح نجما وإعلاميا ورجل أعمال ووسيطا وربما أشياء أخرى في تلكم الأيام!
الفساد واضح جدا ومتبجح ومتفرد ومتميز ويشبه تماما شخصية الفتوة البلطجي في أعمال عمنا نجيب محفوظ، في روائعه عن الحارة الشعبية؛ حيث يسير البلطجي وسط عصابته قاتلا سارقا، ولكنه مزهو بسطوته وقوته، الفساد لا يحتاج أحدا ليكتشفه، فقط يحتاج من يحاكمه ويسترد منه حقوق شعب بأكمله، يحتاج من يملك القرار ليعلنها حربا صريحة على الفاسدين وسيجد كل الشارع معه، بشرط ألا يتم استثناء أحد مهما كان موقعه أو منصبه أو دائرة معارفه، الفساد يحتاج شفافية ووضوحا وفضائح أيضا تكشف سوءات من دفعوا مصر لحافة الإفلاس، لولا ستر الله!
إن من حق الشعب على من يحكموه، أن يفضحوا هؤلاء.. نعم من حق الشعب، أن يشاهدهم وهم مفضوحون على الملأ.. لا أن يتم التكتم عليهم وعزلهم فقط، من حق الشعب أن يرى العدل واقعا فعليا لا مجرد شعارات، من حق الشعب أن يرى شموخ العدالة الذي يسمع عنه ليل نهار، من حق الشعب أن يشمت في هؤلاء اللصوص الذين أفقروه ونهبوه وجعلوه ينتظر فرخة مدعمة أو كيلو لحم مجمد في موسم عيد الأضحى فقط، من حق الشعب أن يسكن في مساكن لائقة، وأن يرى من يشغلون سواحل مصر ثلاثة أشهر في العام، فرحين بما سرقوه من ماله، مقيدين في مصايف طرة والعقرب وغيرها من السجون التي تليق بهم وبمن عاونهم على ذلك.. إلا تفعلوا تكن فتنة كبيرة وفساد أكبر من الذي يتكشف بالصدفة أو بغيرها.
fotuheng@gmail.com