رئيس التحرير
عصام كامل

التطهير «بشرة خير».. دوركم جاي!!


فتح الرئيس السيسي الكثير من الملفات الشائكة في مصر، رغم انشغاله بإعادة صياغة العلاقات الخارجية وإستعادة مكانة مصر المستحقة على الساحة الدولية، ومواجهة الإرهاب في الداخل وعلى حدود مصر ومحاولات إنعاش الاقتصاد المنهار. ومع هذا كنت على يقين من أنه لن يغفل الفساد المستشري، الذي كان أحد أهم أسباب ما شهدته مصر خلال الأعوام الماضية.


استبقت هيئة الرقابة الإدارية جلبة الانتخابات البرلمانية، بالكشف عن قضية فساد كبرى "طار" معها وزير الزراعة ليخرج من مجلس الوزراء إلى السجن ومعه شخصيات من الإعلام ورجال الأعمال، وهناك أسماء كثيرة سيأتي ذكرها في وقت لاحق وقضايا فساد أخرى. ما حدث في قضية وزارة الزراعة "بشرة خير"، تزامن معها قضية رشوة متهم فيها رئيس جمعية مكافحة الفساد البرلماني السابق!!..

وبالنظر إلى القضيتين نجد أن الحرب على الفساد بدأت من الرموز والكبار، ومؤكد أنها لن تترك أحدا، وما حدث مع المتهمين في القضيتين يفتح الباب على مصراعيه لمواجهة الفاسدين في كافة مرافق ومؤسسات الدولة.. فالعامل البسيط الذي يمد يده ليأخذ "بقشيش" يجب محاسبته، وأمين الشرطة الذي يغض الطرف عن مخالفة مرور مقابل "إكرامية" مرتشي، والموظف الذي يستثني المراجع من الدور نظير "المعلوم" فاسد، هؤلاء جميعا باتوا أمام مقصلة الرئيس السيسي والأجهزة الرقابية لتطهير مصر من الفاسدين والمرتشين سواء من نهب مليارات أو من تلقى جنيهات.

مع فتح ملفات الفساد والرشوة أصبحت الحكومة معنية بفتح ملفات أخرى لا تقل خطورة وأهمية.. لعل أولها ملف التعليم، فهو الذي يربي الأجيال ويؤسس عقليات تتحكم في الشارع كما حدث في السنوات الماضية وتقود البلد في المستقبل القريب. إذن التعليم هو حجر الأساس في إعداد وتأهيل الإنسان، ولن أتطرق هنا إلى المناهج لأن المتخصص أجدر بذلك. إنما أتحدث عن الانضباط المفقود في المدارس حكومية كانت أو خاصة، والدروس الخصوصية التي غدت "دور علم" موازية، حتى امتنع كثير من الطلبة عن الذهاب إلى المدارس، اعتمادا على دروس خصوصية في جميع المواد يتلقوها عند مدرسي الصف وأحيانا عند الناظر، وبالتالي ينام الطالب صباحا ضامنا أن اسمه لن يسجل في دفتر الغياب وأعمال السنة سينالها كاملة، لأنه ببساطة اشترى ذمم وضمائر المدرسين والإدارة بما يدفعه أهله في الدروس الخصوصية.

أما المدرسون فنجد أنهم يدخلون الحصص منهكين من طول ساعات الدروس الخصوصية التي استهلكت طاقتهم، وحتى من لديه بقايا طاقة نجده يهدر وقت الحصص في توافه الأمور أو يلقي معلومات منقوصة لإجبار بقية الطلبة بمن فيهم المتفوق على الدروس الخصوصية، التي تحولت إلى "مافيا" تحتاج مواجهة حاسمة من الدولة.

نأتي إلى ملف القمامة والنفايات، صحيح أن النظافة سلوك شخصي. لكن ماذا نفعل إن كان كثير من الشعب يتعامل بإهمال ولا مبالاة وتغير سلوكه إلى الأسوأ؟!.. هنا على الحكومة الأخذ بمبدأ الردع فمن يتخلص من النفايات في الشارع يتحمل الجزاء، ومن يلق ورقة خارج سلال المهملات أو في الطرقات يدفع غرامة فورية، وكلما زادت قيمة المخالفة انتهت المشكلة أسرع، والأمر نفسه يسري على مشكلة المرور، ومن لا يلتزم عليه تحمل تبعات عدم انضباطه، ومع استمرار تطبيق القانون دون استثناء سيلتزم الجميع رغما عنه خشية الردع والدفع.

تقويم سلوك المواطن والتزامه بحق الدولة عليه لن يتم فقط بالقانون، بل يجب أن يسهم فيه الفن والإعلام أيضا، وإذا كان الفن والإعلام المستقلان لهما أجندات ومصالح تجعلهما يهدمان أكثر مما يبنيان، فالحمد لله أن لدى الدولة عشرات الصحف والفضائيات والإذاعات، التي يمكن توجيهها وفق إستراتيجية محددة، لتقويم السلوكيات والمساهمة في تأهيل وإعادة بناء الإنسان المصري من جديد، ومن لا يستطيع أداء الدور المطلوب منه تجاه المجتمع من قيادات الفن والإعلام، فليترك مكانه لمن دونه ممن يعملون بضمير لأن الدور "جاي على الجميع"، وما دام مقصلة التطهير دارت فلن يفلت منها أحد.
الجريدة الرسمية