رئيس التحرير
عصام كامل

يا سيسي.. احذر لعنة الانتخابات البرلمانية !


كانت آخر انتخابات برلمانية في عصر مبارك، والتي تولى إدارتها في الحزب الوطنى المنحل شكلا، والمتجذر حتى الآن فساده في بنية المجتمع المصرى موضوعًا، أحمد عز، أمين تنظيم الحزب في حينه، والصديق الصدوق للوريث جمال مبارك، وكان عز قد أصبح رجل الحديد الأول في مصر، فمن خلال تتبعنا لأصوله الاجتماعية تأكدنا أنه من أسرة متوسطة الحال، وحين تخرج في الجامعة لم يكن يمتلك شيئًا لدرجة أنه قد ذهب إلى بنك ناصر الاجتماعى للحصول على قرض بمبلغ أربعة آلاف جنيه مصرى فقط، وهذه الرواية على عهدة الكاتب الصحفى الكبير الراحل جمال بدوى، ذكرها لكاتب هذه السطور في لقاء تم بينهما عام 2003 أثناء إجراء دراسة عن الأصول الاجتماعية لرجال الأعمال المصريين في مطلع الألفية الثالثة، وكانت ظاهرة عز في بداية بزوغها. 

واستطرد الرجل يومها ليؤكد أن ثروته غير مبررة، خاصة أنه حين شاهده بالبنك كان يرتدي بقدمه (شبشبًا)، ولم يمهلنا القدر ليرى كاتبنا الصحفى الكبير جمال بدوى تضخم ثروة عز واحتكاره سوق الحديد المصرية، وصعوده داخل الحزب ليحل محل اللعيب القديم المخضرم في إرعاب الخصوم كمال الشاذلي، ويصبح على أثرها زعيم الأغلبية بمجلس الشعب ورئيس لجنة الخطة والموازنة، والحاكم الآمر الذي قام بتزوير انتخابات 2010 بفجور شديد حيث أسقط كل رموز المعارضة، ليصبح البرلمان خالصًا لعصابة الحزب الوطنى، ولم يسمع عز لنصائح كبار عصابة مبارك الذين كانوا على علم بما يمكن أن يحدث، وبالفعل كان هذا البرلمان لعنة على مبارك وولده الذي كان يحلم بوراثة عرش مصر بناءً على مخططات أمه التي اعتقدت أنها بإمكانها فرض إراداتها على شعب مصر.

المشهد الانتخابى الراهن هو المشهد الأكثر صعوبة وخطورة في تاريخ مصر، وهو المشهد الذي ينتظره العالم بشكل عام والمصريون بشكل خاص والفقراء والكادحون والمهمشون والمظلومون والمكلومون بشكل أخص، فمنذ قيام ثورة 30 يونيو والإعلان عن خارطة المستقبل بمراحلها الثلاث (وضع الدستور ثم إجراء الانتخابات البرلمانية يتبعها الانتخابات الرئاسية) والكل ينتظر، وبالفعل تمت المرحلة الأولى بسلام ونجاح، وكان يجب أن يتبعها المرحلة الثانية الأكثر أهمية وخطورة وهى الانتخابات البرلمانية، وهنا شعر من يديرون شئون البلاد برعب من المشهد الانتخابى البرلمانى والذي إذا جاء بفلول نظام مبارك ومعهم بعض الإخوان والسلفيين وفقًا لقاعدة سيادة المال السياسي على مجتمع تعانى الغالبية فيه من الفقر بطريقة أو بأخرى ( 45% يعيشون تحت خط الفقر – و25% يعيشون في حزام الفقر، وفقًا للتقارير الدولية – البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة ) فسوف يحدث شرخًا جديدًا في جدار الوطن، وسيعجل بخروج الفقراء والكادحين في موجة جديدة للثورة ستكون هذه المرة "ثورة جياع"، فتفتق ذهنهم عن تأجيل الانفجار أو القنبلة الموقوتة المسماة الانتخابات البرلمانية.

وحاولوا إقناع الرأى العام بأن الانتخابات الرئاسية إذا سبقت الانتخابات البرلمانية سوف يكون ذلك أفضل لمصر وشعبها، خاصة إذا جاءت الانتخابات بشخصية وطنية متفق عليها فتقوم بلم الشمل ومكافحة الفساد والإرهاب معًا، واقتنع الشعب بالمبررات ووافق على تقديم المرحلة الثالثة على الثانية، وبالفعل تم إنجازها بنجاح منقطع النظير.

وجاء موعد القنبلة التي حاول من يديرون شئون البلاد تأجيل تفجيرها، ووضعوا بالفعل قانونًا للانتخابات وآخر لتقسيم الدوائر الانتخابية، وبما أن الرئيس المنتخب قد فوض حكومته غير المنتخبة -والتي تنتمى لعصر مبارك الذي ثار عليه الشعب- في إصدار القوانين فقد قاموا بوضع قوانين غير دستورية تستهدف عودتهم من جديد، واعترض البعض وذهب للقضاء فأقر ببطلان القوانين وتم تأجيل الانتخابات، وعادوا من جديد لتفصيل نفس القوانين التي يريدون العودة من خلالها للسيطرة على البرلمان، وحددوا موعدا جديدا وفتحوا باب الترشح مجددًا وتحرك البعض وذهبوا مرة أخرى للقضاء الذي أقر ببطلان القوانين مجددًا، وبالتالى سيصبح من المؤكد تأجيل تفجير القنبلة الموقوتة مرة أخرى.

لذلك نوجه رسالة الفقراء والكادحين من شعب مصر للرئيس عبد الفتاح السيسي ونحذره من لعنة الانتخابات البرلمانية التي تشكل قنبلة موقوتة ستنفجر في أي وقت إذا ظل الوضع على ما هو عليه، وظلت قواعد اللعبة كما هي، فلابد من سحب التفويض الذي منحه له الدستور للتشريع مؤقتًا، فقام هو بمنحه لحكومة محلب (مبارك) لتفعل به ما تشاء هذا أولا.

والإطاحة بها من المشهد ثانيًا، ودخول معركة المواجهة مع رجال فساد نظام مبارك ثالثا، وتفعيل الدستور فيما يتعلق بعدم قيام أحزاب على أساس دينى رابعًا، وتشكيل لجنة تضم كل القوى السياسية الوطنية لوضع قانون الانتخابات خامسًا، والبدء فورًا في بناء حياة ديمقراطية سليمة سادسًا، ودعم الأحزاب والقوى السياسية التي تمتلك أفكارًا وبرامج ومشروعات صالحة لمستقبل مصر دون امتلاكها الأموال التي تمكنها من الحركة المجتمعية سابعًا، ووضع تشريعات ثورية وفورية تمنع عصابتى مبارك والإخوان وكل من أفسد وشارك في إفساد الحياة السياسية من التسرب لدخول البرلمان القادم ثامنًا.

هذه بعض الإجراءات التي تتطلب شجاعة من الرئيس السيسي لنزع فتيل قنبلة المرحلة الأخيرة من خارطة المستقبل والمسماة الانتخابات البرلمانية، والتي بدونها ستصبح هذه الانتخابات لعنة على شعب مصر كما كانت انتخابات 2010 لعنة على مبارك، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية