رئيس التحرير
عصام كامل

تفاصيل سيناريو «الانقلاب» في الجزائر.. حرب جنرالات بين الرئاسة وجهاز الاستخبارات.. بوتفليقة يهيئ الأجواء لخليفته الفريق قايد صالح.. الثعلب مدين يكشر عن أنيابه بعد نزع صلاحياته.. ومخاوف من تف

فيتو

بدأت بوادر الخلافات والصراعات على السلطة في الجزائر تلوح في الأفق، وخرج العراك السياسي من القاعات المغلقة إلى العلن، في مؤشر على انفجار وشيك بين المؤسسات السيادية الحاكمة للدولة، وترجح التقارير الإعلامية بالصحف المحلية والغربية اندلاع صراع بين الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي يسابق الزمن لتمكين خليفته، والرجل القوى في البلاد الملقب بـ«الثعلب»، الجنرال توفيق مدين رئيس جهاز الاستخبارات.


وبالرغم من ظهور توافق بين المؤسسات الأمنية الثلاثة في الجزائر، على اختيار الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة، ليكون هو الرئيس الثامن للبلاد منذ استقلالها، في أبريل 1999، حدث خلاف بين هذه المؤسسات في أبريل 2013 حين رفضت مؤسسة الاستخبارات العسكرية ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل 2014، مبررة ذلك بوضعه الصحي، ما دفع الرئيس بوتفليقة للإقدام على سلسلة إقالات لعدد من جنرالات الاستخبارات وتحويل مؤسسات تابعة لها إلى أمرة قيادة أركان الجيش.

الجنرال حسان
وجاء القبض على المسئول الأول عن مكافحة الإرهاب سابقا في المخابرات الجزائرية الجنرال حسان واسمه الحقيقي «عبد القادر آيت عرابي» يوم الجمعة الماضي بموجب مُذكرة توقيف أصدرتها المحكمة العسكرية للبليدة، وبعد أسابيع على تغييرات هامة في قيادات الجيش والمخابرات، كجزء من هذا الصراع بين الرئاسة والجيش من جهة، وجهاز المخابرات العسكرية من جهة ثانية.

وهو ما فسره مراقبون جزائريون على أنه استكمال لسلسلة خطوات تشير إلى أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والمقربين منه استعادوا السيطرة على جهاز المخابرات والعديد من مهامه.

سقوط الجنرالات
ونشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية، في أغسطس الماضي تقريرا حول السقوط المفاجئ والمدوي للجنرال حسان، قالت فيه إن عملية إضعاف جهاز المخابرات زادت وتيرتها بنهاية يوليو 2015، بعد أن انتشرت شائعات غير مؤكدة حول حدوث محاولة للتسلل إلى القصر الرئاسي في زرالدة، حيث تم على إثر هذه الحادثة إقالة ثلاثة مسؤولين كبار، هم قائد الحرس الجمهوري، وقائد الإدارة العامة للأمن الرئاسي، وقائد إدارة مكافحة التجسس.

وفي غمرة هذه التغييرات، قرر الرئيس بوتفليقة تجريد المخابرات من مهمة تأمين الحماية للرئاسة، وإسناد هذه المهمة للحرس الوطني، ولكن الإجراء الأكثر إثارة للجدل كان الإعلان عن حل وحدة العمليات الخاصة، التي تمثل القوة الضاربة لجهاز الاستخبارات في حربه على الجماعات المسلحة.

وفي 27 أغسطس ألقى القبض على الجنرال حسان وأودع السجن العسكري بالبليدة، قرب العاصمة الجزائرية، بحسب الصحف الجزائرية، وكان مستغربا أن الصحف الجزائرية هي التي أعلنت عن اعتقاله وإيداعه رهن الحبس المؤقت، ثم أعلنت أنه قد تم إطلاق سراحه، من دون توجيه أية تهمة إليه، ثم أكدت نبأ اعتقاله.

وفسرت صحيفة الوطن، الناطقة بالفرنسية مغزى هذا الخبر بقولها، الجنرال حسان أصيب في معركة الأضرار الجانبية لحرب الخنادق بين الرئاسة، والمخابرات الجزائرية، التي تسمي دائرة الاستعلام والأمن، في إشارة لأن المعركة الحقيقية هي بين الرئاسة وجهاز المخابرات حيث سعي بوتفليقة لعزل العديد من أعضاء الجهاز وآخرهم حسان، ما أظهر رئيسه توفيق مدين بلا أنصار، ما قد يدفعه للاستقالة مستقبلا أو أن يقال لاحقا.

فرقة نخبة
الجنرال حسان كان قائد مصلحة مكافحة الإرهاب، في المخابرات التي تضم فرقة نخبة مسلحة جيدا وتملك شبكة واسعة من المخبرين، وسبق أن أقاله الرئيس بوتفليقة، بشكل مفاجئ في بداية 2014، بعدما قام في 2013 بإلحاق فرقة النخبة بقيادة الأركان بالجيش بدل المخابرات.

وهناك جذور تاريخية للصراع بين الرئيس بوتفليقة 78 عاما، وجهاز الاستخبارات جعلته يسحب من الجهاز الضبطية القضائية، فعقب عودة بوتفليقة من رحلة علاج في فرنسا استمرت 88 يوما، فوجئ بمذكرة اعتقال دولية أصدرتها الشرطة القضائية التابعة للاستخبارات العسكرية بحق وزير الطاقة السابق شكيب خليل وهو صديق طفولة لبوتفليقة فغضب الرئيس بوتفليقة وسحب الشرطة القضائية من أمرة الاستخبارات، وكانت هذه أول ضربة موجعة لقائد الاستخبارات الجنرال توفيق.

توفيق مدين والانقلاب
وقبل أسابيع من توقيف الجنرال المقرب من مدير المخابرات الفريق محمد مدين المعروف باسم توفيق، والمتهم بالتستر على معلومات أمنية، وتكوين جماعة مسلحة، والتحضير لانقلاب عسكري، قام بوتفليقة أيضا بتغييرات في مناصب هامة في قيادة الجيش والمخابرات.

هذه التغييرات مست لواءين من المقربين من الفريق توفيق رئيس جهاز المخابرات، هما مدير مكافحة التجسس ومدير الأمن الرئاسي، وتم أيضا إلحاق الأمن الرئاسي بقيادة الأركان المفترض أنها بيد الرئيس الذي يجمع بين منصب الرئاسة ووزير الدفاع.

كذلك قالت صحيفة الوطن الجزائرية إن العديد من الضباط خاصة الذين نجحوا في مكافحة الإرهاب أحيلوا إلى التقاعد المسبق بينما سنهم بين 38 و50 سنة، ما يشير لعملية تطهير موسعة من قبل الرئيس والجيش التابع له لرئاسة المخابرات وجعلها تابعة أيضا للرئيس والجيش ومعاونيهم، وشملت هذه الإقالات حينها الجنرال جبار مهني، والجنرال بشير طرطاق الذي التحق بالرئاسة.

التحكم في السلطة
ودفعت هذه التغييرات الأخيرة العديد من المحللين الجزائريين والأجانب لاعتبار ما جري مؤشرا على أن الرئاسة أصبحت تتحكم في السلطة بالكامل في الوقت الحالي، وأن الصراع يشارف على النهاية، وأن بوتفليقة استعاد السلطة الخفية للمخابرات التي تمثل دولة داخل الدولة.

ويقود الفريق توفيق 76 سنة، جهاز المخابرات منذ 1990، وهو رجل خفي لا يظهر في الإعلام ولا في المناسبات الرسمية، حتى أن الجزائريين لا يعرفون شكله.

الرئيس المقبل
ويري مراقبون أن مرض بوتفليقة والشك في سيطرته الكاملة على السلطة، ربما وراء سعي المقربين منه في الرئاسة والجيش للقيام بحسم هذه الصراعات مع المخابرات، باسم الرئيس، كي يسهل مستقبلا، في حالة غياب بوتفليقة، على من سيخلفه، ويحكم بدون صراعات على السلطة.

وأشاروا في هذا الصدد لرئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع الفريق قايد صالح، المدافع القوى عن ولاية رابعة لبوتفليقة، الذي تم تحويل كل المهام المسحوبة من المخابرات له، كمرشح قوي للرئاسة أو داعم على الأقل لأي من القياديين الحاليين، الوزير الأول، عبد المالك سلال، ومدير ديوان الرئاسة، أحمد أويحيى، الذي لاحظت صحيفة الخبر الجزائرية اشتعال حرب طموح الرئاسة بينهما.

فعندما اتهم المقربون من الرئيس، رئيس جهاز المخابرات بعدم دعم ترشح بوتفليقة لولاية رابعة فاز بها في أبريل 2004، وتم شن هجمة غير مسبوقة حينئذ من الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، الداعم القوى لبقاء بوتفليقة في السلطة، على توفيق مدين، انتهى الأمر بسحب سلطة الضبطية القضائية من المخابرات، والتي كانت تسمح للجهاز بالتحقيق في قضايا الفساد، ثم تم أيضا سحب مديرية أمن الجيش وكذلك مديرية الإعلام، وأسندت لصالح الرئاسة والجيش، وأصبحا من سلطة رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع الفريق قايد صالح، الذي يرجح أن يكون هو الرئيس المقبل بعد بوتفليقة.

قايد صالح رئيس محتمل
ويلاحظ هنا أن قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، هو من أعطى الأوامر لاعتقال الجنرال حسان.

وربما لهذا تساءلت صحيفة «لاتريبون»، إن كان تفكيك جهاز المخابرات يرمي إلى إعادته إلى مهامه الأساسية أي الاستعلامات، أم إلى إضعافه لدفع مديره على الاستقالة، أم أن السبب الحقيقي هو خدمة طموح سياسي اسمي لا يتم الافصاح عنه، في ظل بقاء قضية خلافة الرئيس بوتفليقة مطروحة؟.

تصفية حسابات
ومع أن الرئيس بوتفليقة الذي يحكم منذ 15 سنة أكد في يوليو الماضي أنه باق في السلطة إلى نهاية ولايته الرابعة في 2019، وقد يعوقه مرضه عن هذا، إلا أن المؤكد أن تصفية حسابات الرئاسة والجيش مع الاستخبارات، سوف تجعل انتقال السلطة المقبلة تتم ربما بدون الجنرال توفيق رئيس المخابرات أو بدعم منه لو أراد البقاء في منصبه.

ربما لهذا سربت المصادر الرسمية الجزائرية لصحيفة «الشروق» المقربة من النظام نقلا عن مصادر موثوقة، نفيها أن يكون هناك أي صراع بين مؤسسات الدولة، وأن التغييرات التي أجراها بوتفليقة مؤخرا هي قرارات توافقية جاءت بالتنسيق بين رئيس الجمهورية وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة وبين الفريق أحمد قائد صالح نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، وبين الفريق محمد مدين قائد مؤسسة الاستخبارات، دون أن يكون أي صراع روجت له بعض الأوساط.

مخاوف على الدولة
وفى ظل حالة الصراع التي باتت تسيطر على أركان الدولة الجزائرية، مع التهديدات الإرهابية المحيطة بدول الجوار، يتخوف المواقبون من تحول الجزائر الدولة الناجية من ثورات الربيع العربي، إلى ساحة مواجهة قادمة في ظل الحالة الصحية لرئيس البلاد، وتعاظم نفوذ جماعات الإرهاب العابرة للحدود، والدفع بجنرالات الجيش إلى حالة استقطاب بين مؤيد ومعارض لبقاء أو رحيل بوتفليقة.
الجريدة الرسمية