جمال الغيطاني.. رحيل شاب عاش 1000 عام.. «بروفايل»
"35 جنيهًا" هو المبلغ الذي اقترضه الكاتب الكبير جمال الغيطاني في شبابه من الكاتب يوسف القعيد، ليطبع مجموعته القصصية "أوراق شاب عاش منذ ألف عام".
ويقول الغيطاني: «هذا الكتاب دون شهادة ميلادي ككاتب، فقد كتب عني حينها لويس عوض، وعلي الراعي، ولطيفة الزيات، وكانت شهادة كل منهم كـ”ختم النسر”، ومنذ ذلك الوقت لم أكف عن الكتابة».
دويلة صغيرة
تلك المجموعة التي خطت تاريخ الغيطاني تتكون من 5 قصص، دارت أحداثها في أجواء المستقبل، وتدور أحداث القصة الأولى حول عثور بعض العلماء أثناء عملية تنقيب على بعض الأوراق التي تعود لشاب منذ ألف عام أيام النكسة أثناء الحرب التي نشبت بين مصر ودويلة صغيرة تسمى إسرائيل عام 1967، أي أن تأريخ الرواية في عام 2967 بالمستقبل.
يحكي الغيطاني عن أحوال المدينة الشاحبة والصمت الذي كان يسكن الزوايا، فلا شىء غير موسيقى عسكرية وبيانات في الراديو، وجملة ترددت كثيرا آنذاك ما إن يلمح أحدهم شعلة ضوء "طفوا النور.. طفوا النور"، لتبدو القصة الأولى أنها تحاكي هزيمة النكسة من منظور مواطن مصرى عادي.
أيام الرعب
أما قصة "أيام الرعب" فيتسلم فيها البطل "محروس" رسالة من جده يخبره فيها بأن "عويضة" خرج من السجن، لتتجلى "الشيزوفرينيا" في القصة، حيث يعاني البطل من التخبط والتشوش عقب رسالة جده التي أخبره فيها أن "عويضة" سيأتي إلى القاهرة ليأخذ ثأره لخاله الذي قتله والد محروس.
ينبثق من ذلك الخبر عدة حوارات تدور في نفس البطل، ليتذكر حبيبته التي هجرته، والمكوجي الذي أخبره أن هناك شخصا ما قد سأل عنه، لتتزاحم الصراعات والرؤى في خيال محروس، ليهب واقفًا وسط المقهى ويصرخ معلنًا عن بياناته حتى يتسنى لعويضة شق الطريق إليه، ليريحه من صراعاته الداخلية.
سجن المقشرة
وفي "هداية أهل الورى لبعض ما جرى في المقشرة"، يعود الغيطاني لحي الجمالية بتراثه وتاريخه الحي في ذاكرته، والذي لطالما كتب عنها وتغنى بها في أعماله الأدبية، فيروي أنه اهتدى أحد الأشخاص لمخطوط في خزانة كتب بأحد المساجد القديمة بالحي، ليستعرض من خلال المخطوط تاريخ سجن المقشرة، الذي يرجع تاريخه إلى العصر المملوكي، ويقع السجن بجوار باب الفتوح، وقد سمي بالمقشرة لأنه أقيم في موضع كان يقشر فيه القمح، بأمر من الحاكم بأمر الله.
ويسرد الغيطاني من خلال القصة عبثية التعذيب داخل السجن، والتي تتجلى في تلذذ آمر السجن بتعذيب المسجونين عنده وإرهابهم، فإما أن يموت المسجون من فرط التعذيب أو بلدغات الطبيعة التي تتمثل في الطاعون أو أن يمص دمه الخفافيش.
كشف اللثام
لم تكن أهل الورى هي القصة الوحيدة بالمجموعة التي عادت بأحداثها إلى العصر المملوكي، وإنما دارت أحداث قصة " كشف اللثام عن ابن سلام" في العصر ذاته، حيث يظهر ابن سلام دائمًا في زي الرجل المتعبد والمتنسك، إلا أنه يخفي قلبًا مرائيًا لا يؤتمن، إذ يسقط قناعه الذي ارتداه عند إطاحته بعمامة الزيني بركات في الوحل بعد أن جذبه من لحيته، لتنتهى القصة بدم المشاعلى الذي أراقه ابن سلام، وعلق جسده فوق باب زويلة لمدة ثلاثة أيام.
وتبدو القصة إسقاطًا واضحًا على بعض المرائين الذين يستخدمون الدين كستار لهم، حتى تسنح لهم الفرصة باقتناص المناصب والهيبة في قلوب الناس.
يذكر أن الكاتب الكبير جمال اليطاني رحل عن عالمنا صباح اليوم بعد رحلة صراع مع المرض.