التعليم المصري.. من الانحدار إلى الانهيار
لن نتحدث كثيرًا عن قضية الطالبة مريم الحاصلة على "الصفر" في امتحانات الثانوية العامة الماضية وتداعياتها؛ حيث إن القضية برمتها بيد النيابة العامة.
ولن نتوقف عند تصريحات السيد وزير التربية والتعليم الدكتور محب الرافعي، الذي يستميت دفاعًا عن مسئولي وموظفي وزارته، وخرج مؤخرًا بتهديدٍ ووعيدٍ لكل من يشكو ويدّعي كذبًا بتبديل أوراق إجاباته، بل شروعه - على حد قوله - في إصدار قرار وزاري بحرمانه من الامتحانات لمدة ثلاث سنوات، ضاربًا عرض الحائط بالدستور والقانون.
غير أننا في ذات الوقت، نقدر ونثمن موقف السيد رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، الذي استقبل الطالبة يوم الثلاثاء الماضي، مؤكدًا متابعته واهتمامه بقضيتها مع زميلتها رضوى بنفس المدرسة؛ حتى تظهر كل الحقائق.
لقد فجّرت هذه القضية، القضية الأهم والأكبر، ألا وهي قضية التعليم المصري الذي بدأ في الانحدار منذ أكثر من أربعة عقود، ووصل إلى هاوية سحيقة بل قل إلى انهيار إلا قليلا.
فقد عمدت الأنظمة الحاكمة في مصر وحكوماتها المتعاقبة طوال تلك العقود، إلى "تجهيل" الشعب، تعليميًا ودينيًا وسياسيًا وثقافيًا بل حتى رياضيًا؛ حتى تسهل قيادته ويتفرق جمعه وتتصارع طوائفه؛ لكي تحكم وتسود وتتفرع للإثراء والإفساد والتوريث على حساب المجتمع وهدم أركانه.
وعن التعليم نتحدث.. أفرغت تلك الحكومات التعليم من مضمونه، بتعليم لا يساير العلوم الحديثة، ولا يتوافق مع احتياجات المجتمع، ولا يتماشى مع العالم المتقدم، وألغت التعليم المجاني الحقيقي على أرض الواقع، وأبعدت دور المدارس الحكومية، وركنت للدروس الخصوصية، كما أفسحت المجال للمدارس الخاصة والأجنبية والأزهرية، وأصبح لدينا أكثر تنوع تعليمي في العالم، حكوميا وتجريبيا وخاصا وأجنبيا وأزهريا!.. وكانت النتائج صادمة لطالب التعليم والعلم، وفاجعة للدولة والمجتمع.
بلغت نسبة الأمية - حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء - 26% (2013)، وحسب وزير العدالة الانتقالية السابق محمد أمين المهدي، تتجاوز 40% (2014)، وحسب معهد الإحصاء 29% (2015)، ونحن بدورنا نعتقد أن نسبة الأمية الأبجدية تتجاوز نصف المجتمع، ناهيك عن انتشار "الجهل والخرافة" بين كثير من أطياف المجتمع.
تلميذ التعليم الأساسي "الإعدادية" لا يعرف يكتب اسمه، وطالب الثانوية العامة لا يعرف الفرق بين الفاعل والمفعول، وطالب الجامعة يكتب الكلمة كما ينقطها، وليس كصحيح حروفها، و"لاكن" أوضح مثال على ذلك!.. ومن هنا باتت اللغة العربية في خطرٍ محدق، فما بالنا بالمواد التعليمية الأخرى!
هدفت الحكومات إلى تعليم الأغنياء والأثرياء فقط، من خلال السماح والتوسع في إنشاء المدارس الخاصة والأجنبية التي لا يقدر على مصروفاتها أبناء الطبقة المتوسطة وما دونها، رغم إعلانها الأجوف محاربة الأمية والقضاء عليها بحلول عام 2020، وذلك من أجل خلق "نخبة" مميزة تعمل معها وتعاونها في أهدافها.
أدى التوسع في التعليم الأزهري، وانتشار الغش في الامتحانات طوال السنوات العديدة الماضية، الذي تم الحد منه هذا العام فقط، إلى إخفاق أكثر من 70% من طلاب الثانوية الأزهرية، ما يؤكد ضعف هذا التعليم.
عدم توافق التعليم المصري برمته مع احتياجات المجتمع وسوق العمل، أدى إلى انتشار البطالة لجُل الخريجين.
إن قضية التعليم في مصر تتطلب إجراءات حقيقية وليست "إعلامية"، وإذا كان خبراؤنا الأفاضل في مجالي التربية والتعليم غير قادرين على إيجاد الحلول الناجعة لهذه القضية، فيمكن الاستعانة بالخبرة الأجنبية.
وإلى حين ذلك، نعتقد أن وزارة واحدة للتعليم بكل مراحله أفضل وسيلة الآن لإصلاح منظومة التعليم، بعد أن بلغ عدد وزارات التعليم ثلاثًا ورابعة للبحث العلمي.