رئيس التحرير
عصام كامل

وزير التعليم العالي وصناعة مراكز قوى جديدة


يبدو أن بعض الوزراء وكبار المسئولين وعلى رأسهم السيد وزير التعليم العالي سيد عبد الخالق، أصبحوا فوق القانون والدستور، وأغراهم صبر الشعب المصري على تجاوزاتهم للعقد الاجتماعي المسمى بالدستور، يعكفون على تدشين مراكز قوى جديدة تعيد إلى الأذهان التجربة المريرة للشعب المصري مع مراكز القوى، منذ نحو أربعة عقود.


فمنذ تكليف الدكتور سيد عبد الخالق، بحقيبة وزارة التعليم العالي وهو يتصرف باستعلاء وغرور؛ حيث يعتبر وزارة التعليم إقطاعية مملوكية لسيادته، جعلته الآمر الناهي فيما يسن من قوانين مجحفة، ومعظمها يورط مؤسسة الرئاسة والحكومة في خصومة مع أساتذة الجامعات تارة، ومع الطلاب وأولياء أمورهم تارة أخرى، ومع المجتمع المصري كله.

ويعتمد الوزير في تمرير ما يريد من قوانين وقرارات، من خلال لوبي خاص في المجلس الأعلى للجامعات، يسانده فيما يفعل.

السيد الوزير دفع بعدة قوانين وتعديلات عليها، منها تعديل المادة 25، 43 من قانون الجامعات رقم 49 لسنة 1971، دون الرجوع لأصحاب الشأن، هذا التعديل ألغى انتخاب عمداء الكليات وقيام رئيس الجمهورية بتعيين عمداء الكليات وعزلهم، وقد أدى هذا التعديل القانوني المعيب إلى انتهاء العام الدراسي الماضي 2014 / 2015 وهناك أكثر من 80 كلية بدون عميد، لمدة تسعة أشهر كاملة، ما أدى إلى ارتباك الأداء في كثير من كليات الجامعات المصرية، وكان ذلك نتيجة طبيعية لعدم إدراك وزير التعليم العالي للمهمة والوظيفة التي يقوم بها، فقد ألقى بتبعة ومسئوليات عمل أكاديمي متخصص على رأس الدولة، رغم انشغاله بمهام جسيمة لإدارة الدولة، وحفظ أمنها القومي.

والتساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح: إذا كان السيد وزير التعليم العالي، يعرف تبعة إصدار قرارات تضر بالتعليم الجامعي والعملية التعليمية المنهارة أصلا، وتحتاج لمنقذ واعٍ ورشيد، فيجب أن يُسأل الوزير عن ذلك أمام الجهات المعنية، وإذا كان لا يعرف ولا يقدر أهمية منصبه، فإن المصيبة تكون أعظم، وبالتالي فإن منصب وزير التعليم العالي لا يناسبه ولا يستحقه.

ويتحفنا السيد الوزير بتصريحات بين الحين والآخر عن تعديلات بقانون الجامعات، ثم يتراجع عنها لاحقا، وهناك شواهد متعددة تؤكد أنها تعديلات معدة سلفا لتدمير الجامعات المصرية من قبل البنك الدولي، على يد السيد الوزير ورفاقه في لجنة السياسات في الحزب الوطني، عندما كان عميدا لكلية الحقوق بجامعة المنصورة.

ومنذ نحو أسبوعين وتحديدا في 16 أغسطس، طلب السيد وزير التعليم العالي تفويضا من المجلس الأعلى للجامعات، بتمكين الوزير من استثناء بعض الفئات من التوزيع الجغرافي بالجامعات المصرية، وهذه الفئات هي "أبناء الكبار"، كما ورد في عناوين صحيفة الشروق، وأبناء ضباط الجيش والشرطة والقضاء، كما ورد في تقارير وبرامج حوارية أخرى، وفي كل الأحوال هذا ضرب لقيم المساواة والعدل.

والمضحك المبكي، أن المجلس الأعلى للجامعات الذي حضر منه 22 عضوا، وافقوا على منح وزير التعليم العالي هذا التفويض الذي يهدر الدستور، ويغتال مبدأ العدالة بوقاحة منقطعة النظير، تحت شماعة "الاعتبارات القومية"، ولم يخرج على هذا التفويض الجائر سوى استثناء واحد يتيم، ولكنه غاية في الاحترام، قدمه الأستاذ الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة وأستاذ القانون، الذي رفض تقنين مجاملات الوزير واستثناءاته لأبناء الكبار؛ لأنها مخالفة للقانون والدستور.

وحسنا فعلت الجهات السيادية، عندما قررت بدء التحقيق في الواقعة، التي تهين الشعب المصري وتحوله إلى رعايا وخدم في دولة الأسياد وأباطرة المال والسلطة، وعلى السيد وزير التعليم العالي ورفاقه، أن يعلموا أن مراكز القوى انتهت من مصر إلى غير رجعة، وأن إقامة دولة العدل والقانون وتكافؤ الفرص، هي خط الدفاع الأول ضد الإرهاب.

وأن تقويض الدول يدخل من باب التمييز العنصري والفئوي والاستثناءات والظلم الاجتماعي، وليعلم السيد وزير التعليم العالي ورفاقه، أن قواعد الظلم الاجتماعي والاستثناء لو طبقت على سيادتكم أثناء مسيرتكم التعليمية، لما وصلتم إلى مواقعكم الوزارية التي تستخدم اليوم لقتل القيم النبيلة، وأولها الانتماء والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص.

السيد وزير التعليم العالي: ليست هذه سوى نماذج لتردي حال الجامعات والتعليم العالي في عهدك البائس، بل إن الاستثناءات التي تحرص عليها وعلى تقنينها، جعلت طلابا حصلوا على أكثر من 90% علمي علوم في الثانوية العامة، لا يستطيعون دخول كلية التمريض حسب رغباتهم، وطلبات التحويل المستحقة، ودخل بدلا منهم طلاب حصلوا على مجموع أقل من 80% علمي، رغم اجتياز الحاصلين على المجموع الكبير لكل اختبارات القدرات والكشف الطبي (والقوائم بالأسماء والمستندات موجودة لمن يريد استقصاء الحقيقة).

السيدان رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، إن أمثال السيد وزير التعليم العالي عبء على الحكومة، وعلى دولة العدل والقانون، وسيقوضون أركان الدولة المصرية بالتمييز والظلم الفاضح، ويدعمون الإرهاب فهل من مجيب؟؟؟

darrag11@yahoo.com
الجريدة الرسمية