رئيس التحرير
عصام كامل

مطلوب مدير لإدارة السمعة في كل جهة إدارية


على الرغم من أن الاتجاهات الحديثة في علم الإدارة العامة على مستوى العالم، تولى اهتماما شديدا بمسألة إدارة سمعه الجهة الإدارية، تلك الإدارة التي يتركز مجال عملها الاساسى في العمل على خلق ونشر سمعة جيدة عن الجهة الإدارية، فإن هذا المفهوم غاب تماما عن الجهات الإدارية المختلفة في مصر، اذ لا توجد إدارة تحمل هذا المسمى في اية جهة حكومية، كما لا توجد إدارة تختص بالقيام بأداء هذه المهمه.


والسبب في ذلك يرجع إلى قلة الاهتمام بمسألة سمعة الجهة الإدارية الحكومية، لا سيما لو كانت تقدم أعمال خدمية، وهو ما نتج عن عدم الاكتراث بما إذا كانت الجهة الإدارية تتمتع بسمعه طيبة لدى المواطنين أم لا، سواء أكانت هذه الجهة الإدارية مستشفى عاما أو مدرسة حكومية أو مكتب تموين أو أي جهة إدارية خدمية، وذلك على أساس فكرة خاطئة بأن رأى المواطن في سمعة الجهة الإدارية لن يفرق كثيرا، طالما أنه سيضطر إلى التعامل معها، وقبول ما تقدمه من خدمات إدارية في جميع الأحوال، لأنه مضطر للتعامل معها اجباريا، سواء لاعتبارات تنظيمية باعتبار أنه لا يسمح له بالحصول على الخدمة إلا من خلالها، أو لأنها الأقرب إلى منزله، ففي جميع الأحوال سيتعامل معها أيا كان رأيه فيها، هذه الرؤية القاصرة أدت إلى عدم الاهتمام بضرورة أن تتمتع كل جهة إدارية خدمية بسمعة جيدة، واعتبار ذلك ضرورة، والتزام على الجهة الإدارية أن تحققه
وسمعة الجهة الإدارية تتكون من مجموعة من الصور الذهنية التي تراكمت في ذهن المواطنين خلال فترة من الزمن، فكل مواطن تعامل مع جهة إدارية لديه انطباع أو صورة ذهنية عن هذه الجهة ،هذه الانطباعات التي تتكون من خلال تجارب شخصية أو من قصص تجارب أفراد اخرين هي التي تخلق الصورة الذهنية المسماة بسمعة الجهة.

لا شك أن هذه الصورة الذهنية تتشكل عبر مجموعة كبيرة من الأداء المتميز للعاملين بالجهة الإدارية على مر السنين، الأمر الذي يولد سمعة إيجابية لدى الجمهور، وهو ما يلتزم القائمين على الجهة الإدارية بالمحافظة عليه، وإزالة أي شوائب تعلق به. 
إن خلق رأى عام إيجابى حول الجهة الإدارية ليس فقط من أجل تحسين صورتها أمام المواطن الذي يتلقى الخدمة منها من منطلق تعامله معها، وباعتبار أن الوفاء بذلك حق للمواطن الذي يجب أن يحصل على خدمات الجهات الحكومية بطريقة متميزة وبسهولة ويسر،إنما أيضا تعد السمعة الجيدة للجهة الإدارية من أهم عوامل الرضا الوظيفي؛ حيث إنها تساهم في بناء الانطباع العام الشخصى للموظف سواء امام نفسه أو امام أمام أسرته ومجتمعه بأنه يعمل في مكان متميز، يتمتع بسمعة طيبة، مما يعطيه الإحساس بالرضا الوظيفى، فيسعى إلى المحافظة على استمرار هذه السمعة الطيبة للجهة التي يعمل بها، من خلال انتظامه في أداء عمله وإقباله عليه بكفاءة، مما يجعله يهتم بعمله وبجودته، مما يخلق جو عمل إيجابيا، يحفز على الإبداع، وينمي الولاء المؤسسي للموظف، ويرفع من نسبة الإنتاجية في العمل، فتتحسن الخدمة الحكومية التي يتلقاها المواطن في النهاية.

وبذلك فإن سمعة الجهة الإدارية ليس فقط ما يعتقده الجمهور حول كفاءة هذه الجهة وحول كفاءة الموظفين بها ومدى استعدادهم على خدمتهم بصورة مبسطة وميسرة، دون واسطة ودون اللجوء إلى دفع مبالغ مالية غير مبررة للحصول على الخدمة الحكومية المجانية، إنما هي أيضا ما يعتقده موظفو تلك الجهة، عن الجهة الإدارية التي يعلمون بها، ومدى فخرهم واعتزازهم بالعمل بها.

إن إنشاء إدارة للسمعة في كل جهة إدارية، ليس الهدف منها أن تكون هناك إدارة تعمل على عمل دعاية وهمية عن الجهة الإدارية من خلال الإعلانات أو اللافتات البلهاء التي تنتشر في أحوال كثيرة بالعديد من الجهات الإدارية مثل ابتسم انت في كذا..أو دقائق وسيتم الانتهاء من الخدمة.. أو حتى عبارات اقضى وقتك في انتظار إنجاز مصلحتك في الاستغفار.. نحن نعمل على خدمتك..فهذه اللافتات لا فائدة منها على الإطلاق، إذا لم يكن لها صدى على أرض الواقع يشعر به المواطن، فلا يمكن أن تحظى جهة إدارية بسمعة إيجابية لدى الجمهور على الرغم من رداءة جودة خدماتها أو منتجاتها، مهما نشرت من لافتات ترحيب، ومهما قامت به من إعلانات كاذبة عن حقيقة كفاءة العمل بها ، إنما مهمة الإدارة التي ننادى بإنشائها هي رصد السلبيات التي يعانيها المواطن والموظف بدقة وأمانة وشفافية، وعرضها على المدير المسئول، الذي تكون مهمته الأساسية أن يعمل على تحسين الخدمة بالجهة التي يديرها وتطويرها، ثم تتم إعادة رصد الواقع، للتحقق من تحقيق الهدف وخلق صورة إيجابية عن الأداء العام للجهة.

إن فشل الجهة الإدارية في كسب ثقة واحترام الجمهور، وعدم كسب اعتزاز وانتماء العاملين بها، هي أكبر دليل على فشل إدارة الجهة، وهو ما يجب أن يتم من خلاله الحكم على استمرار المسئول في موقعه.

إن الاهتمام بتحسين سمعة الجهة الإدارية أمر جوهرى وهام، فالكثير من نظرتنا تجاه دور العديد من المؤسسات العامة الحكومية لا يتم وفق ما تقوم به فقط من أدوار، لكن وفق ما يراه المواطن، مما هو مطبوع لديه من صور حوله هذه الجهة، فالناس لا ترى الأشياء كما تحدث، لكن تراها كما تفسرها من خلال انطباعتها المسبقة ومن خلال ما هو شائع عنها من مفاهيم سواء إيجابية أو سليبية، وهو ما ينشأ معه الإحساس بالرضا العام من أن الأداء في كافة المؤسسات على مستوى يليق بأدمية المواطن ويتفق وحقوقه الأساسية.
الجريدة الرسمية