الحكومة ليست ذكية ولا إلكترونية
من أصعب الأمور على المواطن المصري التعامل مع الحكومة بهيئاتها ومؤسساتها ودواوينها المختلفة في كل الوزارات دون استثناء واحد، رغم رفع شعار الحكومة الذكية قبل ثورة يناير 2011 وإقامة لافتة الحكومة الإلكترونية بعد الثورة.
والصور واضحة والأمثلة أمامنا شاهدة على عذاب المواطن في ساحات المستشفيات الحكومية والتعليمية وعيادات التأمين الصحي، وأمام مكاتب السجل المدني، وداخل محطات القطارات والمترو، وفي مكاتب البريد وغيرها من المصالح الحكومية.
غير أن ما يزيد المرء ضيقًا وتبرمًا هو تباين تصريحات الحكومة وما يعلنه السادة الوزراء والمسئولون عبر وسائل الإعلام بكل فخرٍ وزهوٍ بإطلاق المواقع الإلكترونية لتقديم الخدمات الحكومية المختلفة دون عناء للمواطـن الجالس في بيته " مُكيفًا أو أمام المروحة " ودون مشقة الذهاب لهذه الهيئة أو تلك المؤسسة، وما بين الواقع العملي والفعلي لتعذيب المواطن قبل قضاء مهمته.
وآخر "نكات" الحكومة الإلكترونية إعلان وزارة التموين بالاشتراك مع وزارة التنمية الإدارية إطلاق موقع "دعم مصر" لتجديد البطاقات التموينية وإضافة المواليد أو حذف بعض الأسماء، وقد سُر المواطن بهذه الخدمة وقام بتسجيل البيانات المطلوبة بنفسه أو الاستعانة بصديق ممن يتعاملون مع الشبكة العنكبوتية، ولكن عند ذهاب المواطن لصرف المقررات التموينية صُدم بالحقيقة المُرة ورفض صرف هذه المقررات، وعليه تجديد البطاقات عبر النموذج الورقى المُعد لذلك واستيفاء البيانات المطلوبة وإرفاق صور العديد من المستندات التي قد تكون غير متوافرة لديه وعليه الحصول عليها من عدة جهات منها السجل المدني وليس انتهاء بمكاتب البريد.
وتدور العجلة بالمواطن منهك القوى، لتصل به إلى مكتب البريد باحثًا عن طابع مُعين يُلصق على شهادات الميلاد المميكنة، وأخيرًا وبعد المرور على عدة مكاتب يحصل على هذا الطابع الذهبى بعد أن يكون قد استهلك يومه كاملًا.
ويأخذنا الحديث، إلى البريد المصري الذي أدخل الحاسب الآلي في عملياته منذ عدة سنوات بديلًا عن العمليات الورقية. وإزاء هذا التغيير زادت معاناة المواطن مع هذا المرفق الذي تأسس عام 1865 ويُعد من أقدم مؤسسات مصر وأعرقها، ويبلغ عدد عملائه أكثر من 15 مليون عميل، ناهيك عن أصحاب المعاشات الذين يترددون على مكاتبه المنتشرة في مصر التي تبلغ 3724 مكتبًا لصرف معاشاتهم.
ويفخر البريد المصري – على بوابته الإلكترونية – بالخدمات التي يقدمها للمواطنين: الحكومية والبريدية والمالية وغيرها، غير أنه من الصعب ومن الواقع الفعلي والعملي تقديم هذه الخدمات في معظم مكاتب البريد التي لا تزيد مساحة البعض منها على عشرة أمتار مربعة تتكدس بالعاملين ولا تجد مكانًا للمتعاملين مما يؤدى بالمواطن إلى الوقوف بالشارع حتى يأتى دوره لتقديم الخدمة المطلوبة والتي قد لا يتم إنجازها بعد هذا العناء لأن " السيستم وقع " أو الطابعة توقفت عن العمل! ولا يعلم المواطن أو يشكك بالطبع إن كان السيستم " وقع لوحده أو حد وقعه"!
إن معاناة المواطن المصري في دهاليز الحكومة ازدادت بالفعل بعد شعاري: الحكومة الذكية والأخرى الإلكترونية. وإذا كان الموظفون المصريون لا يزالون يعملون ويفكرون بالعقلية الورقية، وجب على المسئولين تأهليهم إلكترونيا وتشجيعهم لتطوير قدراتهم الوظيفية، كما يجب على الحكومة تحديث أجهزتها ومواصلة عمليات الصيانة للأجهزة العتيقة الموجودة في كثيرٍ من المصالح الحكومية، حتى ينال المواطن " الغلبان " بعض الراحة وكذلك الموظف أيضًا.