أمين شُرطة اسم الله!
مهزلة جديدة جرت أحداثها على أرض مصر، ومن الواضح أن المحروسة باتت بلد المهازل، إذ احتكرنا كُل ما يُمكن أن يقع من بلاوى تحت ذلك البند أو فوقه أو جنبه، وصار على الجميع أن يجتهد بحثًا عن المزيد من الإبداع في ابتكار طرق هزلية جديدة للتعبير عن أنانيته وفساده ورغبته في الحصول على تميُّز لا يستحقه دون غيره، لا لسبب سوى إنه شايف نفسه أفضل من التانيين، أو التانيين أكثر سوءًا من حضرته، وبالتالى فهو مُميَّز وسوبر ولوكس وبشَرطة كمان!
الأطباء في بلدنا عاوزين يتميِّزوا عن غيرهم، وليهم ألف حِجة وحِجة في ذلك، كذلك المُهندسون، والإعلاميون، وأمناء الشُرطة، والمكوجية، والبقالين، كُل واحد شايف إن الدور اللى بيعمله في المُجتمع والاقتصاد والبلد لا يُمكن أن يقوم به غيره، وهو أمر طبيعى، ما هو أكيد الدكتور مش هينزل يكوى قمصان الناس، ولا الصحفى هيدى حُقنة مع الاعتراف بأن صحفيين كتير بيدوا حُقن الصراحة، ولا البقال هيعمل تخطيطا هندسيا لعمارة، طيب إيه الجزاء المطلوب؟ الجزاء يتخطى طبعًا حدود الحصول على مُميزات مادية بل واجتماعية للحصول على حصانة خاصة، حتى أصبحنا شعب الحصانات!
التلميذ في ثانوى عاوز حصانة، يعنى مُمكن يحرق المدرسة، أو يضرب المُدرس بالجزمة (بالمُناسبة المُدرس راخر لازمه حصانة اشمعنى هو) وبعدين لا يتم عقابه، إذ أن الخوف على مستقبل سيادته سيقود المئات من المُغرضين وبتوع حقوق الإنسان وعشاق الفوضى لرفض توقيع العقاب اللازم عليه بعد ما يضرب المُدرس على قفاه، والحقيقة مش عارف مستقبل إيه اللى مستنى طالب من النوعية دى؟ أكيد مستقبل خرب يؤشر بكُل بجاحة على مستقبل أنيل بالنسبة لوطن ابتلى بأبنائه، فلم ينل منهم جزاءً ولا شكورًا، ولا حتى كفوا أذاهم عنه!
أخواننا أمناء الشرطة في الشرقية ليهم طلبات، الحقيقة أنا مش عارفها، يعنى بعد الزيادات الخرافية في الرواتب، وطرق العلاج، والترقيات، أكيد عاوزين لكُل واحد فيلا في مارينا، وخمسين كيلو لحمة جاموسى في الأسبوع، ده غير الضانى والريش والحواوشى، بالإضافة طبعًا لاستثنائهم من الحساب والعقاب أو حتى الملاحظة، يعنى لو راح الشغل شرب الشاى والسجاير، كتَّر ألف خيره، وياخُد مُكافآت إجادة زى لاعيبة الكورة، طيب لو مراحش الشُغل وضيَّع على الدولة فُرصة الاستفادة من تدخينه وسفّ للشاى والسُكر؟ محدش يبص له، ولا يعاتبه، ولا يلومه، وبرضو كتَّر ألف خيره، وياخُد مُكافآت إجادة زى لاعيبة الكورة برضو!
الشرطة هيئة نظامية، مهمتها الربط والضبط والنظام، تحمل طابعًا عسكريًا لا يعرف إلا تنفيذ الأوامر، لكنها تحوَّلت على أيدى مافيا أمنائها إلى هيئة هزلية، يتم تعطيل مديريات الأمن والأقسام علشان واحد عاوز حَد يهرُش له في ضهره، أو واحد تانى معترض على حرارة أغسطس، فبيطالب بتركيب تكييف في القميص والبنطلون؛ علشان يعرف ينام وهو قاعد على مكتبه أو في عربية النجدة المُكيفة أصلًا، والعجيب أن البعض يرى أن هذه حقوق شرعية، بغض النظر عن الانهيار المتوقَّع للأمن بشكل عام جرَّاء تلك الفوضى، وعليك أن تُفكِّر جيدًا، لو الدولة تصدت بقوة لهؤلاء فسيقط منهم الشهداء جرحى، والشهداء قتلى، والشهداء أحياء، والشهداء على المقاهى والغُرَز والمطاعم، والفضائيات تتملى بأبطال كُل همهم وقضيتهم البريئة كانت إنهم عاوزين يخربوا البلد يا عينى، أما لو تركتهم الدولة ولم تتصدى لهم، فستتضاعف أعدادهم، وبدل مديرية أمن الشرقية، هاتبقى الشرقية والقليوبية والمنوفية وأسوان، وخراب يا بلدى عمار يا دماغى!
واحد منهم عاوز يترقى لواء، وماله؟ ونكتب له أرض اللواء باسمه كمان، التانى بيحاول يحتفظ بحقه في الترشُح كمُدير أمن بعد تلات أربع سنين، وماله برضو، هو إيه الفرق بينه وبين الضابط خريج الشُرطة، ده بيمسك سلاح ميرى، وده بيمسك سلاح ميرى، وبالمُناسبة من حقه تمامًا في ظل الظروف الحالية، إنه يطلَّع سلاحه الميرى، ويستعمله في المُظاهرات ضد زمايله، أو ضد الدولة، للتخويف وزرع الرهبة في نفوس الشعب والنظام، ولا حَد يراجعه، ولا حَد يسأله، ولا تُحدثنى أرجوك عن العُهدة، فالعُهدة على الراوى، نبقى نعاقبه على التفريط في السلاح والذخيرة، لكن بدون المساس بالسادة أمناء الشُرطة المُعتصمين!
الشرطة هيئة نظامية-تانى-ملهاش في هلس المظاهرات والثورات ده، ولو اتسابت على كده، فأول خفير هيوصل القسم الصبح، من حقه يقعد مكان المأمور، والعجيب أن كُل مَن يلتحق بهذه المهنة عارف شروطها ومتطلباتها القاسية، وموافق عليها قبلًا، لكن بعد الثورة، كُل واحد عاوز يهيج وينقض على ما ليس له على طريقة اشمعنى التانيين، وكُل واحد شايف نفسه أهم عنصر في المجتمع، رغم أن المجتمع نفسه أصبح في غالبية الأحوال مجتمعا مسكينا بدون أهمية أصلًا، وكُل اللى ملحقش يعمل هيصة ولمَّة في الثورة، عاوز يعوَّضها ويعمل له ثورة مخصوص، وأهى حاجة ببلاش كده، والاعتصام والهتاف أكيد أريح من الشُغل، وبيكسِّب أكتر، مع أن محدش بيشتغل أصلًا، وأقصى مجهود بيعمله 95% من اللى شغالين في الحكومة (بما فيهم أغلبية أمناء الشرطة إلا مَن رحم ربى) هو إنه يقبض المُرتب ويقف يعِد فيه ساعتين ما شاء الله ربنا يزيد ويبارك، وعندما يتم الانقضاض على النظام اللى هو أساس الشغلانة (مش النظام السياسي)
فمعنى كده إن ده ضد اشتراطات العمل نفسها في الأساس، ومعنى كده إن الناس دى لا تستحق إلا التعامُل بكُل قسوة، خصوصًا وأن مَن يقف خلفهم، والمُستفيد من أفعالهم معروف، والأهطل فقط هو مَن يظن أن الأمر برئ ونضيف، مع الاعتراف بأن مُعظم المُشاركين فيه فاكرين كده، ماهُم لو مكانوش بالوصف ده، مكانوش عملوا اللى عملوه!
عندما يكون القطاع المنوط به الحفاظ على الأمن والانضباط ـ أو بالأحرى جزء من هذا القطاع ـ هو المُحرِّض بل والقائم بالفوضى، فهذه مهزلة لا يُمكن التغاضى عنها، ولا حتى الصبر عليها، فنحن في كارثة حقيقية ناهيك عن المهزلة التي لا ينكرها أحد، والعمل؟ لا تفاوض، ولا مُهادنة، ولا حتى صبر.. المثل بيقوله سكتناله دَخَل بحماره، والدخول بالحمير كان كتير من أيام فئويات ثورة يناير من أمناء الشرطة، وكمان من الضُباط الملتحين، وبصراحة إحنا مش ناقصين، وبصراحة أنا ضد التفاهم مع هذه النوعية من المطالب خصوصًا في صورتها المُريعة دى، ولو انتهت مُهلة الاستجابة للطلبات ولم يحققوا أهدافهم كلها، أو حتى حققوها، فمَن يضمن عدم تكرار الأمر ما دام بيجيب نتيجة كده وبيرعِش الدولة؟!
طيب الخُلاصة.. أكيد التعميم مرفوض، وزى ما فيه شُرفاء، فيه مُضلَلون ومُضللون ومُجرمون، أمناء الشُرطة بينهم ناس بتستشهد في سبيل الوطن وأمنه، وبينهم ناس مُرتشون وفارضو إتاوة على كُل خلق الله من أصحاب السيارات والميكروباصات والمحال وحتى اللى ماشيين في الشوارع، وإن كان المُشاركين في هذه المهزلة أقلية، فليتم القضاء عليها-لا التفاهم معها وتدليلها- كيلا يستشرى الوباء في الأغلبية أو يصنع فتنة نحن في غنى عنها (مش ناقصة)، وإن كانوا أغلبية، فليتم القضاء عليهم ونعتمد على الشرفاء الأقلية، وبارك الله فيما رَزَق، ونريَّح نفسنا من عناء المِدادية والطبطبة على متسواش، ولا منها ولا كفاية شرَّها!
وخُلاصة الخُلاصة.. لا أتفق بالحرف مع المقولة التالية لـ(فلاديمير لينين)، لكنى مُقتنع بمعناها إلى حدٍ ما: "إذا وجدت دولة لا يُمكن أن تجد حُرية.. وإذا وجدت حُرية فلن تجد دولة"!