رئيس التحرير
عصام كامل

تصفية سياسية في الساحة اللبنانية


يتساءل البعض هل ما حدث في لبنان في الأيام الثلاثة الماضية، أمر مفاجئ أم أنه تحصيل حاصل وتطور متوقع؟!.. الحقيقة أنه نتيجة حتمية لمقدمات كثيرة من المشاكل والضغوط المتراكمة على مدى سنوات، إن كان سياسيا أو طائفيا أو اقنصاديا أو حتى اجتماعيا.


لبنان موطن الجمال والموضة والفن والديمقراطية في الشرق، بات مكبا كبيرا للنفايات، وتنذر مشكلة تراكم القمامة بطول البلد وعرضها منذ نحو شهرين بكارثة بيئية وصحية غير مسبوقة، فكانت "الزبالة" القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث دعت مجموعة شبابية إلى مظاهرة "طلعت ريحتكم" دلالة على تراكم النفايات واستشراء الفساد في البلد، تضامن معها فنانون وإعلاميون ومواطنون، وكانت المفاجأة تأييد بعض التيارات السياسية ممن يتظاهر الشعب ضدهم، لإبعاد الشبهة عن أنفسهم، وهذا ما رفضه المتظاهرون جميعا.

المدهش في تظاهرة "طلعت ريحتكم" ومن بعدها "حلو عنا" ثم تظاهرة "بدنا نحاسب"، أنها ضمت للمرة الأولى أطياف المجتمع اللبناني متضامنين على هدف واحد، حيث تعودنا في مظاهرات لبنان على وجه الخصوص على تجمعات طائفية ومذهبية وأخرى حزبية، منذ اخترع "حزب الله" المليونيات والاعتصامات وتفخيخ السيارات وقطع الطرقات بالإطارات المشتعلة قبل عشر سنوات، ليعمل على تصديرها بعد ذلك عبر ميليشياته وخلاياه النائمة إلى بقية الدول العربية.

الوقفة المدنية في بيروت بدأت سلمية حضارية برفع أعلام ولافتات وإطلاق هتافات وشعارات، لكن فجأة انقلبت الأجواء إلى تدافع ورشق حجارة واستفزاز قوى الأمن بالشتائم، ويتجلى هنا دور المندسين تماما كما كان يحدث في مصر، لترد الشرطة على المتظاهرين بخراطيم المياه، ومع المفرقعات والكر والفر تتحول ساحة رياض الصلح إلى معركة بين الجانبين، وأمام محاولة اقتحام سرايا الحكومة، يزداد عنف الشرطة باستخدام الخرطوش وإطلاق الرصاص الحي في الهواء وضرب المتظاهرين والمندسين على حد سواء.

في مصر كنا نتحدث دائما عن "الطرف الثالث"، الذي يشعل الأوضاع ويعمق الأزمة لغرض في نفس "الإخوان" والمتحالفين معهم من المتآمرين، أما في لبنان فهناك "أطراف داخلية وخارجية" لكل منهم هدف، لكن اجتمعوا لجعل لبنان ساحة للتنفيس وتصفية الحسابات السياسية.. وفي هذا الشأن لا يمكن غض الطرف عن تركيا، التي تريد إبعاد الاهتمام عن مشكلات غير مسبوقة في أنقرة وإسطنبول ومواجهة نظام الحكم مع الأكراد والمعارضة، في ظل الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة بعد فشل تشكيل حكومة ائتلافية، فكان الحل الأسهل هو إشعال الساحة اللبنانية المهيأة تماما لهكذا أمر، كما لن نغفل هجمات إسرائيل على "الجولان" المحتل ومحاولة إتمام عملياتها العسكرية هناك دون تركيز إعلامي عليها، لذا كان التدخل لإذكاء شرارة الساحة اللبنانية.

إيران أيضا لها يد طولى في لبنان، لأن من مصلحتها استمرار سيطرة "حزب الله" على الأوضاع في لبنان لكي تستمر هي في إدارة البلد عن طريقه، وأمام ضغط التيارات السياسية والأحزاب على الحكومة في لبنان حتى يسلم "حزب الله" أسلحته، ليبقى السلاح فقط لدى الجيش والشرطة، ما يعني أن يفقد "حزب الله" القوة التي يهدد بها الشعب والدولة، فكان لزاما إشعال الوضع ليحتفظ نصر الله بالأسلحة.

يهم حسن نصر الله نفسه تسليط الضوء على الساحة اللبنانية، حتى يكمل المذبحة التي ترتكبها ميليشياته في سوريا، خصوصا "الزبداني" التي يريد السيطرة عليها بأي ثمن، فالزبداني تلك البلدة الثرية تمثل العمق الإستراتيجي للأراضي اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله"، ولن تستقيم له الأمور في حال سقوط النظام السوري إلا بوضع يده على الزبداني ومحيطها نظرا لقربها من الحدود اللبنانية، كما أنها تعد طريقا بين بيروت والشام.

ولن ننسى زعماء الطوائف وقادة التيارات السياسية في لبنان، ممن يريدون ضمان الاستحواذ على مقدرات البلد وبقاء مصالحهم، فجاءت المظاهرات غير الطائفية لتهدد وجودهم من الأساس.. لكن ما يعنينا هنا أن بلد الفن والجمال توحد شعبه أخيرا من أجل لبنان الواحد الموحد، من أجل التخلص من النفايات والفساد، توحد الشعب لحل مشاكل القمامة والماء والكهرباء والهواتف والأملاك العامة، ومن أجل انتخاب رئيس وإنهاء الفراغ الرئاسي الحاصل منذ عام ونصف العام.. نأمل أن تقطع حكومة تمام سلام الطريق على من يريد إشعال الساحة اللبنانية وتستجيب لإرادة الشعب كما سبق أن حدث في مصر.
الجريدة الرسمية