رئيس التحرير
عصام كامل

ليست قضية المستشار جنينة !!


لست معنيا بإذا ما كانت مشاركة المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، في المظاهرات التي قامت ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك عام ٢٠٠٥، يعتبر خروجا على تقاليد القضاء، التي تمنع مشاركة القضاة في السياسة.. وهو الاتهام الذي يوجه للرجل من جانب خصومه.. أو أحد الاتهامات لكي نكون أكثر دقة، ولا دفاع أنصاره بأنه كان يمارس حقه الطبيعي ومسئوليته الوطنية في الاعتراض على نظام فاسد..


ولم أتوقف طويلا عند الاتهام الموجه للرجل، بأنه صنيعة إخوانية؛ لمجرد أن الرئيس الإخواني اختاره للمنصب؛ لأنه اختار أيضا مسئولين كبار آخرين ليسوا من الجماعة.

كما لم أقتنع بما ذكره المستشار الفاضل في أحد حواراته التليفزيونية، بأن هناك جهات تسعى لتوجيه الاتهام إليه بالتخابر، وأنه يثق في الشخص الذي أبلغه بتلك المحاولات، ولم يقدم دليلا مقنعا على صحة هذا الاتهام، ولا ذكر اسم الشخص المبلغ حتى نقتنع بصحة الاتهام.

ما يعنيني حقا أن تلك القضية وما دار حولها من مداخلات، واتهامات متبادلة بين أطرافها.. تعكس حالة تدني مستوى الحوار، وتقضي على قاعدة أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، أصبح الخلاف يدفع كل طرف إلى اغتيال الآخر معنويا، واستباحة حياته الخاصة والأسرية.. وعادة يصل إلى الاتهام بالعمالة للخارج.. والتآمر على الدولة.

أقام المستشار الفاضل الدنيا ولم يقعدها، بعد صدور قانون يبيح لرئيس الجمهورية تغيير رؤساء الأجهزة الرقابية في الدولة، واعتبر أن هذا القانون موجه لشخصه، وأنه وحده المقصود من إصداره، وأدلى بعشرات التصريحات التي تشير إلى أن أحدا لا يستطيع إزاحته عن منصبه؛ لأن القانون مخالف للدستور.

وتسابقت أجهزة الإعلام المقروءة والمرئية؛ للحصول على التصريحات النارية التي يطلقها رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، التي يرى منتقدوه أنها تخصم من هيبة الجهاز، وتنتقض من الوقار والحكمة المفترضين في رئيسه.. "كما أشار الكاتب الصحفي محمد أبو الحديد"، الذي عبر عن خلافه بأدب واحترام يليق بالمؤسسة التي يرأسها المستشار جنينة، وتاريخه الطويل في القضاء.

وتجاوز آخرون كل حدود اللياقة في التعبير عن خلافهم مع الرجل، بدءا من اتهامه بأنه «خلية إخوانية نائمة»، حتى الخوض في أموره العائلية واتهام السيدة الفاضلة زوجته بأنها إخوانية، وتساعد منظمة حماس، وتخبئ الأسلحة والذخائر في مزرعتها بالشرقية، وكأن الدولة غائبة تماما، وقد ظهرت السيدة وبناتها في حوار تليفزيوني وهن سافرات بما لا يقبله الإخوان ولا حماس، وكل ما في الأمر أن السيدة زوجة المستشار تحمل الجنسية العربية الفلسطينية.. ما سهل لمعارضيه توجيه تلك الاتهامات غير المسئولة، وكأن عليهم أن يردوا على الاتهامات المحددة التي وجهها المستشار جنينة لمسئولين كبار وجهات حكومية رسمية، لم يعتد الناس على أن تعلن تجاوزاتهم عبر وسائل الإعلام.. خاصة عندما يوجه الاتهام من المسئول بحكم عمله على التصدي للفساد.. وإحالة الفاسدين للقضاء.

ولو أن تلك الاتهامات غير صحيحة.. فالذين تعرضوا لها عليهم اللجوء للقضاء لإنصافهم.. وأعلم أن هناك قضايا في هذا الإطار أمام المحاكم.. والذين أقاموها يستحقون الاحترام؛ لأنهم يدافعون عن حقوقهم، والقضاء وحده الذي من حقه أن ينظر في تلك القضايا ويُظهر الحقيقة.. ويعاقب المخطئين؛ لأن لا أحد في مصر فوق المساءلة.

وستبقى الدعوة قائمة، بأن نعيد للحوار عقلانيته وموضوعيته، وهي قضية أكبر من قضية المستشار جنينة.
الجريدة الرسمية