رئيس التحرير
عصام كامل

يا سيسي قوانين حكومتك.. تزيد الشرخ في جدار الوطن ؟!


خرج الشعب المصرى في 25 يناير 2011 عن صمته الذي استمر طويلا، فمنذ آخر خروج له في 18 و19 يناير 1977 فيما عرف بثورة الخبز، وأطلق عليه أنور السادات وحكومته الغبية انتفاضة الحرامية، لم يخرج بهذه الكثافة ولنفس السبب هو الحاجة للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فقد صبر الشعب المصرى على مبارك وحكوماته المتوالية بشكل غريب، حتى وصلت أحوال الغالبية العظمى منهم إلى حد لا يمكن السكوت عليه، وهو حد الموت جوعا.


فخلال ثلاثة عقود كاملة تدهورت فيها أحوال المصريين بشكل غير مسبوق وصلت معه نسبة من يعيشون تحت خط الفقر إلى 45% ونسبة من يعيشون في حزام الفقر 25% وهى النسب التي تقرها التقارير الدولية (البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة) وهو ما يعنى أن 70% من المصريين يعانون من الفقر بشكل أو آخر، ومعها أصبحت ظاهرة مثل جمع الأكل من صناديق القمامة ظاهرة عادية يمكن مشاهداتها بأحياء الأغنياء في العاصمة المصرية، ولا عجب عن أن تسمع عن انتشار ظاهرة الفقر الانتحارى، وهم الأشخاص الذين يقدمون على الانتحار نتيجة للفقر ويأسهم من الحياة بشكل آدمى وكريم، ومع استمرار الضغط على الفقراء والكادحين والمهمشين بفعل سياسات حكومات مبارك المنحازة ضدهم والتي تعمل دائما على إفقارهم كان الانفجار غير المسبوق في 25 يناير 2011 وكانت مطالبهم محددة في الشعب يريد إسقاط النظام، وهنا كانت الإطاحة بمبارك وحكومته ومجالسه النيابية والمحلية التي أفسدت كل شيء على أرض مصر، وعادت الجماهير المصرية الفقيرة تنتظر الفرج فماذا حدث؟!

جاء المجلس العسكري لإدارة شئون البلاد ولم يتمكن من إحداث أي تغيير يذكر في أحوال معيشة الفقراء والكادحين، وظل معتمدا على الصف الثانى من رجال مبارك في تشكيل القوام الرئيسي لحكومته وهى التي ظلت محتفظة بنفس السياسات التابعة أمريكيا وصهيونيا على المستوى الاجتماعى والاقتصادى وظلت وفيه لمبارك وولده.

وفى النهاية سلم المجلس العسكري البلاد لإخوان الإرهاب الذين احتفظوا أيضا برجال مبارك في الحكومة وبشكل مؤقت حتى يتمكنوا من وضع رجالهم، لكن شعب مصر لم يمهلهم بعد أن اكتشف خيانتهم وعمالتهم وتبعيتهم للأمريكان والصهاينة هذا إلى جانب استمرار نفس السياسات المباركية على المستويين الاجتماعى والاقتصادى فساءت حالة المصريين أكثر فأكثر.

وجاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بناء على طلب الفقراء والكادحين الذين خرجوا في 30 يونيو 2013 ضد الجماعة الإرهابية، وظن المصريين أن الرجل سيستجيب فورا لمطالبهم المتمثلة في الإطاحة برجال مبارك الفاسدين سبب كل البلاء الذي لحق بالفقراء والكادحين، لكنه قام بمراوغتنا حين صدر لنا جماعة الإخوان على أنها العدو الأول الذي يجب محاربته وفعلا اقتنع الشعب المصرى بذلك وصدق الرجل وبالفعل دخل الرجل معركة مكافحة الإرهاب وسانده الشعب بقوة وصبر معه عندما أعلن لهم أنه يسعى لعمل مشروع تنموى حقيقي رغم أنه لم يعلن عن معالم هذا المشروع، وعندما طالبهم بالصبر على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة صبروا معه فقام برفع أسعار المحروقات والطاقة وارتفع معها كل شيء حتى الخبز والفول والطعمية آكل الفقراء، وعندما طالبهم بدعم مشروع قناة السويس جمعوا له 64 مليار جنيه من قوتهم وقوت أبنائهم، لكن يظل السؤال الأهم وماذا بعد ؟!

الرجل حتى اللحظة لم يتمكن من خوض المعركة الحقيقية مع العدو الحقيقى وهم جماعة مبارك، لكن للحق لابد من الاعتراف بأنه حاول في البداية الصدام معهم عندما طالبهم بإعادة ما سرقوه ونهبوه من قوت الشعب وقرر أن يتبرع بنصف ثروته حتى يفعلوا مثله لكنهم لم يستجيبوا فطلب منهم التبرع بمائة مليار جنيه لكنهم خذلوه فسمعنا أنه سيجبرهم على دفع ثلاثمائة مليار جنيه هي فروق أسعار الأراضى التي استولوا عليها وقاموا بتغيير نشاطها بدون الرجوع للجهة الإدارية وهى الدولة.

لكن هذه المحاولة اليائسة باءت بالفشل أيضا ولم نعد نسمع عنها شيئا. والغريب حقا هو أن الرجل مازال يحتفظ بهم داخل حكومته، تلك الحكومة التي تمارس كل أشكال القهر والظلم والاستبداد، وما يزيد الطين بلة أن الرجل عندما خول له الدستور الاحتفاظ بسلطة التشريع مؤقتا حتى انتخاب مجلس للنواب قام بتفويض الحكومة المباركية التي يرأسها عضو لجنة سياسات الحزب الوطنى التي كان يحكمها ويدير البلاد من خلالها جمال مبارك لتقوم بتشريع القوانين فماذا فعلت ؟!

قامت الحكومة خلال الفترة الماضية بالسير على نفس النهج ونفس السياسات التي تخدم فقط الأغنياء وتزيد من ثرواتهم، وتضيق الخناق حول رقبة الفقراء والكادحين، وتضع مجموعة من القوانين تزيد من حالة الاحتقان والانقسام بين جموع الشعب المصرى (قانون الخدمة المدنية – قانون الإرهاب – قانون الانتخابات – قانون التظاهر.. الخ )، وبدلا من أن يقوم الرجل بالإسراع في انتخاب مجلس نواب ليقوم بمهمته الطبيعية مازال يتلكأ في هذه الخطوة ولم يتخذ أي إجراءات لإصلاح سياسي حقيقي يمكن من خلاله القوى السياسية المنحازة للفقراء والكادحين من دخول البرلمان، بل مازالت قواعد اللعبة القديمة مستمرة.

نظرا لأن حكومة مبارك هي من تفصل القوانين التي ستمكن الفاسدين من العودة مرة أخرى لمواقعها فوق مقاعد البرلمان والسلطة، وبالطبع استغلت الحكومة هذه الفرصة الذهبية لتمرر عدة قوانين ضد مصالح الفقراء والكادحين وضد مصالح صغار الموظفين الأكثر استفادة من الثورة حتى الآن وهو ما دفع هؤلاء الموظفين للخروج مرة أخرى في تظاهرات ضد الحكومة ضاربين عرض الحائط بقانون التظاهر، حتى فئة أمناء الشرطة الفاسدة قامت بالاعتصام والتظاهر ضغطا على وزارة الداخلية.

وحتى اللحظة لم يتحرك الفقراء والكادحون الأكثر تضررا من قوانين وسياسات الحكومة الفاشلة لكن هذا لا يعنى أنها لن تتحرك بل هي على حافة البركان وعلى استعداد للانفجار في أي وقت فما تفعله الحكومة بقوانينها الجديدة تزيد الشرخ في جدار الوطن وتسكب البنزين على النار، وعلى السيسي أن ينتبه ويتحرك فورا للإطاحة بهذه الحكومة والإسراع في دخول المعركة مع رجال مبارك قبل فوات الآوان، فهؤلاء هم العدو الحقيقي لشعب مصر، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية