رئيس التحرير
عصام كامل

والنعمة ما هي م النعمة يا حاجَّة!

فيتو

كانت خالتي قد انتهت لتوها من الإدلاء بصوتها في الاستفتاء علي الدستور حين طلبت منها سيدة عجوز أن تساعدها في الخروج من اللجنة.


وانفتح باب الدردشة فسألت خالتي السيدة العجوز إذا كانت قد صوتت بنعم أم بلا فقالت العجوز إنها صوتت بنعم فسألتها خالتي: لماذا؟ كانت خالتي مهيأة للرد علي العجوز بأي رد منطقي يدحض أي حجة للتصويت بنعم إلا إن العجوز أفحمتها بحجة لا يمكن لمخلوق- مهما كان ذكاؤه وفطنته- أن ينبس بعدها ببنت شفة.

قالت السيدة العجوز لخالتي: "أنا صوتت بنعم عشان نعم من النعمة. حد يقول للنعمة لأ يا بنتي"؟

لم تصوت العجوز بنعم لأنها- لا سمح الله- تري أن الدستور يحقق لها ولأبنائها وأحفادها حياة كريمة، ولا لأنها تريد الاستقرار مثلًا، ولا حتي لأن المصوتين بلا كفار وملاحدة وزنادقة وعلمانيون وليبراليون وهي لا تريد أن تكون معهم في خندق واحد، وإنما لأن نعم من النعمة.. حد يقول للنعمة لأ يا بنتي؟

إيه العمل في الوقت ده يا صديق؟ هذه هي بلدك وأهلك والمجتمع والناس فماذا أنت فاعل؟ هل هؤلاء المواطنون- الطيبون بلا شك- يجدي معهم  النقاش بالعقل والمنطق والحجة العلمية؟

حجة السيدة العجوز تذكرني بداعية إسلامي كان له شريط يحث فيه الناس علي الزهد في الدنيا وكراهية المال وكانت حجة ذلك الداعية أن كل الكلمات التي تستخدم في الحديث عن المال كلمات سيئة، فكلمة "مال" من "ميل الحال" و"ذهب" يعني "راح" وفضة من "الانفضاض" ودينار من النار ودرهم من الهم، إلخ. ولا أعرف إن كان الناس يزهدون في الدنيا ويطلِّقون المال (والعياذ بالله!) بالثلاثة حين يسمعون هذا الشريط  أم لا، كما لا أعرف بالطبع ماذا يفعل ذلك الداعية الزاهد في المال بكل تلك الأموال التي تملأ خزائنه من عائد بيع ذلك الشريط وغيره، لكن ما أعرفه هو أن هذا النوع من المنطق، أو "اللامنطق"، هو الأقرب إلي قلوب الناس في بلادي، أو - م الآخر كده- الكلام ده هو اللي بياكل مع الناس.

من هنا، أيها السيدات والسادة، يتضح لنا الخطأ الفادح الذي وقعنا فيه ونحن ندعو الناس للتصويت بلا، فنحن شغلنا أنفسنا بتوافه الأمور وصدعنا رؤوس الناس بالحديث عن المادة (14) التي تربط الأجر بالإنتاج لا الأسعار وتسمح باستثناء الحبايب والمحاسيب من الحد الأقصي للأجور "وكله بالقانون يا جدع" ، إلخ ، بينما كان بإمكاننا أن نريحهم ونريح أنفسنا فنقول لهم إن "لا" حلوة لأن "لا" من اللؤلؤ مثلًا.

وأخيرًا وقد قالت الصناديق للنعمة نعم فأرجو أن تغرق البلاد ويتمرمغ العباد في النعمة، وإن كنت أشك في إمكانية حدوث هذا خاصة ً بعد تصريحات وزير المالية الأخيرة بأن مصر علي وشك الإفلاس في عهد الرئيس المؤمن محمد مرسي وحكومته الإخوانية المباركة، أو المباركية.

 

 

الجريدة الرسمية