رئيس التحرير
عصام كامل

لِنَحْلِق لأنفُسِنا.. قبل أن يَحْلِق لنا الأمريكان!


ربما أبدو كما لو كنت أغرد خارج السرب، عندما أتمتم بهمس عن حتمية البحث عن مخرج من مود التوتر المتجدد، بقرارات لا تنقصها الشجاعة؛ للبحث عن مسار لتضميد جراح الوطن وترميم اللحمة الوطنية.. لنفعلها بأيدينا قبل أن نُرغَم عليها.


سمِّه هاجسا.. سَمِّه رؤية.. سَمِّه قلقًا من الغد.. سَمِّه ما شئت.. لكن دعني أعترف بأنني ما توصلت لتلك الرؤية أو الهاجس، إلا بعد تحسس الأجندة الأمريكية مسترشدًا باقتفاء أثر بعض روافد أو مُحَدِّدات الحركة الأمريكية بالمنطقة، وهي دراسات وكتابات المعنيين بالشأن الشرق أوسطي والعربي والمصري منه على وجه الخصوص.

تلك الكتابات غالبًا ما تشي بحتمية التعامل مع الحالة الدينية الإسلامية بالمنطقة العربية وليس التصادم معها، بل ذهب البعض إلى ترويضها واستئناسها قبل دخولها في فسيفساء الحالة السياسية بالمنطقة العربية.

المقام لا يتسع لتعداد تلك المحطات والمراكز والرموز ذات التأثير في سياسات العم سام الخارجية.. وإنما دعوني أقف عند محطة أراها مهمة في تقديري المتواضع.. إنها الكاتبة الصحفية الأمريكية "كاريل ميرفي".. أهميتها أنها تولت رئاسة مكتب صحيفة الواشنطن بوست بالقاهرة لخمس سنوات متصلة قبل العام 2011م.. وصدر لها كتاب في العام 2002م بعنوان "العاطفة الإسلامية وتشكيل الشرق الأوسط الحديث.. الخبرة المصرية".. قرأت عرضًا وافيًا للكتاب.. لا يتسع المقال للإسهاب في عرض مجمل الأفكار والحقائق التي قدمتها ميرفي، ولكني أود تسليط الضوء على ما يعزز فكرتي، أن أمريكا تتحسس موطئ قدم للتعامل مع حالة التدين غير العنيف.

تؤكد ميرفي أن الظاهرة الإسلامية وفي مُكَوِّنها التدين العادي، وجدت لتبقى في مصر وباقي الدول العربية "بعيدًا عن العنف".. ومن ثم لا نحتاج كثيرًا من الدلائل، لنؤكد أن أمريكا بالفعل لا ترى في اجتثاث التدين حلًا أو طريقًا لإعادة تشكيل ملامح المنطقة.. وإنما كما أقول تتحسس طريقا للتعامل مع التدين غير العنيف.

أطروحة ميرفي ومثيلاتها، تشترك في نقاط التقاء تؤكد صعوبة إن لم يكن استحالة، اجتثاث حالة التدين، لكنها لا تخفي قلقًا من الجماعات المنظمة.. بيد أن الجديد هو ظهور ميل إلى ترويض الجماعات التي تنبذ العنف وتميل إلى الانخراط في اللعبة السياسية بقوانينها، والقبول بما استقر عليه المجتمع الدولي من حتمية استطراق حالة سلام تفضي في النهاية إلى الحفاظ على مصالحه..

لذا لم يكن غريبًا (بالنسبة لي كمتابع) أن أسمع عن التحالف الأمريكي الروسي السعودي التركي؛ للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، المصنف أشد عنفًا على الإطلاق؛ لاعتماده عقيدة قتالية انتحارية.. والأهم هو الكشف عن قيام القوات الأمريكية بتدريب عناصر المقاومة الإسلامية السورية "المُؤَدْلَجَة إسلاميًا"، ربما نظرًا لما تكون قد أبدته من استعداد للاتفاق بشكل أو بآخر، بما لا يؤثر سلبًا على المصالح الدولية والسلام مع إسرائيل بالمنطقة.
الجريدة الرسمية