يوسف عريقات ودرس في الإنسانية
في الوقت الذي كنت أجهز فيه موضوعات مختلفة خاصة بفرنسا، الدولة التي أعيش فيها، طلبت من ابني 16 عاما، أن يساعدني في العثور على بعض الفيديوهات الخاصة ببعض الأحداث؛ خوفا من ألا تسعفني الذاكرة في تذكر تفاصيلها، فإذا به يقترح علىَّ موضوعا آخر مختلفا تماما، ويصر عليه، والأدهى أنه بأمريكا، فالتكنولوجيا الحديثة جعلت العالم كله مدينة واحدة، بعد دقائق وجدت نفسي أغوص معه في الفيديو ومعانيه الإنسانية العميقة.
يوسف عريقات أمريكي من أصل فلسطيني، له متابعة عالية على اليوتيوب، وصلت إلى فرنسا أحد فيديوهاته الشهيرة يمثل فيها دور فقير يجلس على الأرض، ينادي على المارة في الشارع ويضع على صدره ورقة مكتوب عليها رسالة "لا أحد يصبح فقيرا لأنه أعطى".
الأول توقف وقال ليس معي نقود لك، فقال يوسف بل أنا من يعطيك، اقرأ رسالتي على صدري، وأخرج عشرة دولارات ليعطيها له، فرد الرجل غاضبا بل أنا أشتريك لو أردت، وعلق يوسف على الموقف قائلا: في مجتمعنا مقبول أن يعطي الغني الفقير والعكس غير مقبول، هل المساعدة تكون لأنها من إنسان لإنسان أم لأنها من إنسان أفضل من إنسان؟
الثاني أخذ العشرة دولارات، ونعت يوسف بالأحمق.. الثالثة كانت فتاة شابة، تعجبت من فكرة يوسف وذهبت إليه حيث يجلس، وسألته عن الحكمة فيما يفعل، فقال أنا فقير وأشعر بالغنى حين أعطي، فأخرجت نقودا من حقيبتها وقالت أنا أيضا فقيرة وأشعر بالغنى حين أعطي، فلا تحرمني من هذه اللحظة، وكانت أول من يعرف أن هناك كاميرا تصورها، وقبلها يوسف من رأسها، وقبلها معه كل المشاهدين خلف الشاشة.
الرابع كان رجلا أوقف سيارته ويضع نقودا في الجهاز المخصص لحجز الأماكن بالباركينج، فذهب إليه يوسف: سيدي أستطيع أن أدفع لك، فقال: أنت تدفع لي، ألا ترى سيارتي المرسيدس وماركتها؟، فقال يوسف: أنا لا يعنيني كم من المال عندك ولكن يهمني كم من المال في قلبك، واستمرت المشادة بين يوسف والرجل الذي بدا من لون يديه الأسمر، أنه من أصول أفريقية، هذه سيارتي غالية هل تعرف كم دفعت فيها؟، فرد يوسف: لا يهم كم دفعت فيها، ولكن الأهم كم التواضع داخلك، وكشف يوسف عن شخصيته له قائلا لست فقيرا كما تتصور، ولكن أنت الفقير.
وعلق يوسف على الموقف قائلا: الإنسانية هي التي تجعل الناس ملائكة، والغرور هو الذي يحولهم إلى شياطين.
أظهر الفيديو طباع البشر وردود أفعالهم المتعجرفة تجاه الأقل منهم، وألقى الضوء على الغرور الذي يأخذ بعضنا أحيانا فينقص من إنسانيتنا.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ".