«إخوان» هاني عبد الله
في كتابه "كعبة الجواسيس" وضع الزميل هاني عبد الله، بين يدي القارئ بحثا موثقا عن تاريخ الولايات المتحدة بجماعة الإخوان المسلمين.
في الكتاب، أخذك هاني ولف بك ودار.. ودسك في تفاصيل متشعبة، ثم خرج بك منها.. وقد طالعت المزيد من تاريخ جماعة استعانت على حوائجها بالأمريكان، من خمسينيات القرن الماضي.. في الطريق لكرسي الرئاسة المصرية عام 2012.
الفصل الأول عنونه بـ"رائحة الإيفسو".. والإيفسو لمن لا يعرف، هو الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية.. وهو – وفقًا لـ"هاني عبد الله" - الواجهة "المعروفة" التي يتحرك من خلالها "سرًّا" الجهاز الطلابي التابع لتنظيم الإخوان الدولي.
يقول هاني: إنه بينما كانت الأحداث قد وصلت لذروتها في "تونس" ضد نظام "بن علي"، كان التنظيم الدولي للجماعة قد حشد كل هيئاته للاستفادة من الوضع المتصاعد في تونس، وتعميمه على باقي بلدان المنطقة، اعتمادًا على القطاعات الشبابية.
بالمستندات، حكى هاني كيف حشد التنظيم الدولي، منظماته وشبابه في العالم العربي.. فاجتمع قادة الإخوان مرة في لندن، ومرة ثانية في تركيا.. وأطلقوا من إسطنبول، مبادرة تبناها "إيفسو" لضم القطاعات الشبابية والطلابية "المتحركة" بالمنطقة، خلف راية الجماعة في مصر.. في أول استعداد من نوعه لتحضير شباب الجماعة للدخول إلى مرحلة التمكين.. بمساعدة أمريكية.
أما طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة، والمخابرات المركزية، فكتب عنه هاني تحت عنوان "البدايات"، ويقول فيها:
في كتاب (إرث من الرماد ــ تاريخ سي. آي. أيه) يقول الكاتب الأمريكي "تيم واينر": "اعتاد محللو C.I.A السير مع الركب، واعتماد الأفكار التقليدية.. فأساءوا فهم نوايا وقدرات أعدائنا، أخطأوا في حساب قوة الشيوعية، كما أخطأوا في الحكم على التهديد الذي يمثله الإرهاب".
وحسب هاني عبد الله، كانت الترجمة "الفعلية" لعبارة "تيم واينر" هو بدء الإخوان الإعلان عن اتصالاتهم مع الولايات المتحدة، بعد سقوط نظام مبارك، باعتبارها استجابة "لرغبة الولايات المتحدة في استئناف اتصالاتها الرسمية مع مصر".
الاتصالات بالولايات المتحدة كان أساس الخلاف، منذ عام 2005، داخل مكتب الإرشاد، بين مجموعة خيرت الشاطر في مواجهة مجموعة محمد حبيب، فأثناء الانتخابات البرلمانية عام 2005 بدأ المشهد، وكأن هناك جناحين داخل "مكتب الإرشاد"، يقود كلا منهما، نائب من نواب المرشد.
الأول.. يقوده محمد حبيب (ومعه على استحياء "المرشد السابق" محمد مهدي عاكف).. بينما يقود الجناح الثاني المهندس "خيرت الشاطر".. ويشايعه صهره "محمود غزلان"، ورئيس المكتب السياسي للجماعة في ذلك الوقت "د. عصام العريان".
أساس الخلاف كانت الإجابة عن السؤال التالي: "هل من المجدي أن تستعيد الجماعة اتصالاتها بالولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي، أم لا؟".
المعترضون كانوا يرون أن هذه الخطوة من شأنها إغضاب "نظام مبارك"؛ إذ من المحتمل أن يكرر ما فعله بالجماعة في التسعينيات.. في المقابل رأى الشاطر وشيعته، أن الاتصال بالولايات المتحدة سيعمق العلاقات مع شرطي العالم الجديد، الأمر المطلوب، خصوصا أن للجماعة العديد من المصالح الاقتصادية الّتِي تمر عبر أمريكا، وأنه لا بد من تحسين العلاقة مع الغرب.. بعد أن ازدادت المخاوف هناك منذ أحداث 11 سبتمبر.
وقتها.. كتب الشاطر بصحيفة "الجارديان" البريطانية، عن "التطمينات" الّتِي يجب عليهم أن يقدموها للغرب، إذا ما وصلت جماعته للحكم.. واختار الشاطر أن ينقل وجهة نظره، تحت عنوان: "لا داعي لأن تخشونا".
بعد سقوط مبارك، نسبت تقارير صحفية لعصام العريان، قوله بصراحة: إن "الاتصالات بين الولايات المتحدة و"الإخوان" ترجع إلى السبعينيات، عندما توسط الرئيس الأمريكي جيمي كارتر لدى الرئيس أنور السادات؛ للإفراج عن معتقلي الجماعة بالسجون المصرية، إلا أن هذه الاتصالات توقفت مع بداية "الحملة المسعورة الّتِي شنها نظام حسني مبارك ضد الإخوان في الثمانينيات".
يقول هاني عبد الله: واقع الحال.. أن ما قاله العريان لم يكن كل الحقيقة؛ إذ كشفت ــ مؤخرا ــ العديد من وثائق الدبلوماسية الأمريكية، أن علاقة الولايات المتحدة بالجماعة امتدت بجذورهاـ ـ وفروعها أيضًا ــ لما أبعد من ذلك.
ففي الوقت الّذِي كانت خلاله، تخطو الولايات المتحدة أولى خطواتها لوراثة الإمبراطورية البريطانية.. بداية الخمسينيات، كان أنْ التقط سفيرُها بالقاهرة "جيفرسون كافري" طرفًا مُهمًّا للتواصل مع الجماعة.
وكان هذا الطرف شابًا، في منتصف العشرينيات من عمره، اسمه سعيد رمضان.. رأى جيفرسون، الّذِي رشَّحَه في تقريرٍ خاص، لأن يكون محلًا لاهتمام الإدارة الأمريكية، أنه فتى مُتَحرّك على المستوى الدولي.. ويمكن أن يكون صاحب تأثير واسع النطاق.
وقد كان.. فقد كان سعيد رمضان، واحدا من أهم ما ارتكزت عليه الولايات المتحدة لتأسيس منظمات إسلامية.. يمكن اعتبارها حديقة خلفية لتنظيم استعان على قضاء حوائجه بالأمريكان.. في الطريق للتمكين!
Twitter: @wtoughan
Wtoughan@hotmail.com