الفرق بيننا وبينهم
في يوليو 2012 وبعد فوز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية بأيام، حللت ضيفًا على قناة الجزيرة عبر برنامج "من واشنطن"، للتعقيب على نتيجة الانتخابات، وتحدثت عن المخاوف بعد وصول مرسي وجماعته للحكم، وقلت إننا لا نستبشر بمحمد مرسي خيرًا، فهو ابن أفكار "سيد قطب" و"صالح سرية"، والتي ترى الوطن حفنة من التراب العفن، وهو حفيد أفكار "حسن البنا"، والتي ترى أن الإسلام وطن وجنسية، وعلى هذا فإنه يجلس على سدة الحكم رجل يحمل تلك الأفكار، فتلك خطورة حقيقية، هذا على صعيد الماضي، وعلى صعيد الحاضر أشرت إلى أداء برلمان الإخوان الهزيل المهين لكل مصري كدليل على الفشل.
ورغم كل تلك القناعات، ورغم استفزاز الضيف الإخواني المشارك معي بالحلقة ورغبته في تحويل الخلاف على محمد مرسي من خلاف "مصري - إخواني" إلى خلاف "مسيحي - إسلامي"، بدعوى أن رافضي محمد مرسي هم الأقباط فقط، رغم كل ذلك، إلا أنه حينما سألني مقدم البرنامج، الإعلامي "محمد الفقرا" بالحلقة ذاتها قائلًا: "رغم مخاوفك التي قلتها، ولكن السلطة قد تُغير سلبًا وقد تُغير إيجابًا، ومرسي قال وعودًا أمام الملأ للمصريين جميعًا، فلماذا لا تعطيه فرصة لكي يثبت فعلًا أن كان قادرا على الالتزام بوعوده أم لا؟
قلت "أفلح أن صدق، وأنه رغم كل ذلك ورغم شكوكنا التي ربما تصل إلى اليقين، فإذا اتخذ محمد مرسي خطوات لصالح الدولة المدنية الحديثة القائمة على العدل والحقوق المتساوية للجميع بعيدًا عن القهر الطائفي والاجتماعي سنمد له العون، فالهدف هو رخاء مصر والمصريين بصرف النظر عن أي خلاف شخصي في التوجهات مع من في السلطة".
تذكرت ذلك وأنا أرى ما فعله الإخوان عبر مواقعهم وقنواتهم وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي قبل، وأثناء، وبعد افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة. ففرق كبير أن تسأل عن عائد ذلك المشروع المادي والمعنوي، أو أن تنتقد الأفراط في الاحتفالات، أو أن تعرض آراء متباينة مع المشروع وضده. وبين أن تتمنى فشل المشروع، وخرابه، وتعثره، وضياع أموال المشاركين فيه، وتنشر تقارير "مضروبة" للتربة وأعمال الحفر، وهذا تمامًا ما فعلوه عبر إعلامهم.
أسلوب وإن كان متوقعا منهم لكن الحقيقة لم نتوقعه بهذا الشكل. واتخذوا أسطورة "الانقلاب" التي يروجونها لأنصارهم، كمبرر لهذا الكم من العداء والكراهية لمصر والمصريين ينفردون به وحدهم، فمؤيدو نظام مبارك لم يقتلوا أحدًا، ولم يعيشوا في مؤامرة أن "موقعة الجمل" كانت مدبرة من قبل الثوار لإسقاط مبارك بعد أن كسب الشارع بخطابه الثاني.
مؤيدو شفيق لم يلجئوا للعنف بعد الانتخابات، ولم يعيشوا تحت هاجس تزوير نتيجة الانتخابات الرئاسية لصالح محمد مرسي، رغم توارد أخبار وتأكيدات عن ذلك.
فما أسهل أن يعيش كل فصيل في نظريته ومؤامرات من حوله ويحرق الأخضر واليابس، ولكن ما يمنعهم هو الخوف على تلك الأرض وأهلها، فالفرق بيننا وبين الإخوان وحلفائهم من التنظيمات الإسلامية هو الانتماء لهذا الوطن. الفرق بيننا وبينهم أننا مع الأوطان نعرف الفارق الكبير جدًا بين أن تتوقع الفشل وبين أن تتمناه، وبين المعارضة "بالتحذير"، والمعارضة "بالتدمير"، إنها الوطنية فكيف يفهمها هؤلاء وكيف يتعلمونها؟