يتحدثون عن «الزاد والراحلة» في عصر «النانو تكنولوجي»
انفصال الخطاب الديني عن الواقع، هو أخطر ما يواجه محاولات التجديد.
يقف الخطيب على المنبر، ليستقي خطبته من أمهات الكتب، وبعض الدعاة يلجأ إلى أفكار تقليدية، وموغلة في القدم، لدرجة أن منهم من يتحدث في خطبه عن حكايات الأقدمين عن بر الوالدين، وزهد الصالحين، والشبان الأربعة الذين أغلقت الصخرة الضخمة مدخل الكهف عليهم.. و"الزاد والراحلة" كشرطين للحج، وربما لم يجد أحدهم إلا فقه استخدام الكلب في الصيد موضوعا للخطبة، في عصر ما بعد الفضاء، والكونية، والنانو تكنولوجي.
لماذا لا يتحدث خطباء الأوقاف ودعاة الأزهر عن إهدار المال العام، والفساد، والرشوة، والتزوير، وتعطيل مصالح الناس، وبث الأكاذيب، وتفجير الفتن، والخيانة الزوجية، والشذوذ، وموقف الدين من الدروس الخصوصية، وإدلاء المسئولين بتصريحات كاذبة، ونفاق وتملق مَن هم أكبر منهم في المناصب، وطحن مَن دونَهم؟!
لماذا لا يتطوع أحد العلماء المبرزين للحديث عن الاقتصاد الأسود، وأثره في تدمير الاقتصاد الوطني، وألاعيب بعض رجال الأعمال في البورصة، ما يؤدي إلى ضرب الاقتصاد المحلي في مقتل؟!
لماذا لا يتناول أحد الجهابذة موقف الإسلام من التقاتل على الترشح للبرلمان؛ سعيا وراء اكتساب الحصانة، لاستخدامها فيما حرم الله، والإثراء غير المشروع، والاتجار في الممنوع؟!
هل يصدق أحد أنه ليس هناك خطيب واحد - فيما أعلم – تعرض في الخطبة أو الدروس التي يلقيها لموقف الإسلام من تناول "البانجو".. مثلا.. ولم يقترب من "غسل الأموال الناتجة عن تجارة السلاح، أو المخدرات، أو الآثار.. أو ما هو أسوأ"؟!
قبل أيام نشرت الصحف قصتين مأساويتين عن عامل "أجير" انتحر؛ لعجزه عن الوفاء بتكاليف العلاج لابنه المصاب بالسرطان، وعامل نظافة قضى نحبه لمكوثه في الحر، وتحت الشمس لعدة ساعات (بغض النظر عن أن رئيسه في العمل أجبره على الاستمرار في مهمته؛ تحسبا لمرور رئيس الحكومة في الشارع).. أتحدى أن يقترب خطيب واحد من الحادثتين، فيعلمنا عدم اليأس من الحياة، وينصح مؤسسات العمل المدني بالبحث عن المرضى غير القادرين لمد يد العون لهم، والرحمة بالعمال، وتوفير سبل حماية حياتهم من المخاطر، والتأمين عليهم ضد الإصابات والوفاة.. إلخ.. لا يحتاج ذلك إلا لبذل بعض الوقت والجهد في القراءة والاطلاع، وعدم الاقتصار على مطالعة الكتب القديمة، ومرونة القائمين على الشأن الديني، والبعد عن المظهرية، والتطاحن على الكراسي والمناصب.. (راقبوا صراع الوزير والشيخ، فكيف بالله عليكم يتفرغ الكبار لتجديد الخطاب الديني؟!).
كثير من الناس لا يعلمون أن سد الشوارع بـ"ركن" السيارات"، و"رش" الشوارع وغسل السيارات بالمياه المخصصة للشرب، والاستيلاء على أجزاء من الشارع، لعرض البضائع فيها، واستقطاع أجزاء منها إلى المحال التجارية.. الكثيرون لا يدركون أن هذه التصرفات حرام، حرام، حرام!.. فترى الشخص قد أطال لحيته وقصر جلبابه، ويحرص على اعتياد المساجد لأداء الصلوات، ثم "يركن" سيارته لتشغل مساحة من الشارع، مسببة أزمة مرورية خانقة، أو تكتشف أن المحل أو المصنع أو المعرض الذي يملكه الحاج "فلان" (ويحرصون على الحج كل عام تقريبا)، امتد ليحتل الرصيف المقابل لمدخله، وقد يقتطع جزءا من الشارع، أو الميدان الذي يطل عليه، دون سند من قانون أو شرعية، سوى البلطجة، و"شغل العافية"، والسخاء في الرشاوى لمسئولي المحليات.
وعن مسئولي المحليات، ومن يوازيهم في السلطات، فحدث ولا حرج.. "النفحات" اسم الدلع للرشاوى، وبعض صغار كبار المسئولين في القطاعات الحكومية يمتلكون العمارات، والأرصدة في البنوك، والسيارات، رغم أن رواتبهم لا تتجاوز بضعة مئات!
خلاصة الكلام، أن الخطاب الديني يسير بسرعة السلحفاة، بينما الواقع يطير بسرعة الصاروخ.. الخطاب يركب "توك توك"، والحياة المعاصرة تتقدم بحسابات السنوات الضوئية، والفيمتو ثانية.
نحن لا نعاني من تخلف حضاري، مع الاعتذار للنجم د. أسامة الأزهري، بل نعاني من الغباء، والطمع.
أتمنى أن يشارك علماؤنا الكبار مثل: زويل، ومجدي يعقوب، ومصطفى السيد، وهاني عازر، وأحمد درويش.. إلخ.. في تجهيز الدعاة وإعداد الأئمة والخطباء؛ لأداء دورهم كما ينبغي لإنقاذ المجتمع من الأمراض التي أخذت تستشري فيه، ولا يتسع المجال لعرضها.. وكلنا نعرفها.
مطلوب أن يوقن الدعاة والخطباء أن "الدين المعاملة"، وأن يتخلصوا من تعاليم "الدين الوهابي" الذي سيطر على عقولهم، واستولى على أفئدتهم، فلم يعد للحب والتسامح والفكر السليم مكان.
خلاصة الكلام، أن الخطاب الديني يسير بسرعة السلحفاة، بينما الواقع يطير بسرعة الصاروخ.. الخطاب يركب "توك توك"، والحياة المعاصرة تتقدم بحسابات السنوات الضوئية، والفيمتو ثانية.
نحن لا نعاني من تخلف حضاري، مع الاعتذار للنجم د. أسامة الأزهري، بل نعاني من الغباء، والطمع.
أتمنى أن يشارك علماؤنا الكبار مثل: زويل، ومجدي يعقوب، ومصطفى السيد، وهاني عازر، وأحمد درويش.. إلخ.. في تجهيز الدعاة وإعداد الأئمة والخطباء؛ لأداء دورهم كما ينبغي لإنقاذ المجتمع من الأمراض التي أخذت تستشري فيه، ولا يتسع المجال لعرضها.. وكلنا نعرفها.
مطلوب أن يوقن الدعاة والخطباء أن "الدين المعاملة"، وأن يتخلصوا من تعاليم "الدين الوهابي" الذي سيطر على عقولهم، واستولى على أفئدتهم، فلم يعد للحب والتسامح والفكر السليم مكان.