تنابلة الحكومة!
أعرف واحدا منهم لم يذهب لعمله ولو لمرَّة يتيمة تخزي عين أمثالي مُنذ أسبوعين متتاليين، وهو رقم ضئيل لا يُقارَن بأرقامه القياسية التي حققها من قبل؛ إذ ظلَّ لثلاثة أشهر متتالية لا يقرب جهة العمل هذه، ولا يمُر حتى من الشارع الذي يحوي مقرَّها، بينما راتبه وحوافزه ومُكافآته وترقياته شغالة زي الوابور!
الاستغلال والمُزايدات تخطَّت في بلدنا حدود المنطق، وقُدرة سوبر مان ورجُل المُستحيل على الاحتمال، وأرجوك لا تحاول إقناعي بوجود شُبهة شرف، محاولة يبذلها كُل أفَّاق أو نصَّاب أو مُخرِّب عندما يُدافع عن تنابلة الحكومة، وهُم موظفو القطاع العام، الذين ينشغلون بكُل شيء في الحياة عندما يتواجدون في أماكن عملهم، بكُل شيء إلا بالعمل ذات نفسه، وحتى لا يكون تعميمنا في المُطلَق الفاسد في الاستدلال، ولكي يكون صادقًا، فإن نسبة تتجاوز التسعين بالمائة من هؤلاء لا يستحق الواحد منهم ولو جنيه واحد في السنة!
هل ننسى العبارة الشهيرة "فوت علينا بُكرة" التي أبدع في خلقها موظف مصري كسول، كُل مهنته تتلخَّص في أنه يقعد على مكتبه، يفطر، ويشرب الشاي، ويدردش مع زمايله، ويحل الكلمات المُتقاطعة.. ده طبعًا قبل أيامنا السعيدة هذه؛ حيث ينشغل بفيس بوك وتويتر على هاتفه المحمول، أو يتخانق مع زملائه أو مع المواطنين حول التوجهات السياسية لكُل طرف، وطبيعي الراجل مش هيقطَّع نفسه، يعني يعمل فولو لـ(مايا دياب)، واللا داونلود لألبوم (حماقي) الجديد، واللا يخلَّص لك مصلحتك، واللا يشرَب مَج النسكافيه؟.. طبعًا أنت تروح في ستين داهية إنت وإللي خلفوك، لكن لا مساس بـ(مايا) ولا (حماقي) ولا المَج طبعًا!
ولنعترف بما لنا وما علينا، فإن الوقفات الاحتجاجية مُنذ ثورة يناير وحتى وقت قريب، كانت مجهودا جبارا يستحق عليه موظفو الدولة والقطاع العام كُل الزيادات المادية الأخيرة؛ إذ أن المجهود الذي بذله كُلٌ منهم في الاعتصام، والهتاف، والشتيمة، وتعطيل العمل في المصلحة، يفوق المجهود الذي بذله هو وكُل زملائه في المصلحة ذاتها من ييجي أربعين سنة، أما عن التثبيت فحدِّث ولا حَرَج، وكتاب الله أعرف ناس كانوا بيشتغلوا على الورق فحسب، ولما تم تثبيتهم أصبحوا بيشتغلوا على الورق برضو، لسبب بسيط هو أن مالهمش شغلة ولا مشغلة، ولا حتى ليهم مكاتب أو كراسي، وبالتالي بيروحوا يوم أو يومين في الأسبوع، يفطروا ويشربوا الشاي، ويسألوا عن القبض على سبيل التسالي لا القلق أو الخوف، فهو مضمون وبينزل على كارت الفيزا قبل ما الشهر يبدأ ييجي 29 يوم!
العبد لله لا ينظر للناس في أرزاقهم، لكن مَن قال إن الرزق ينبغي أن يُقابله تنبلة وتكاسُل وحصول على رواتب لا يُقدِّم الموظف من دول رُبع عُشر واحد من أعشار المجهود المُناسب للحصول على أجرها، ولن أُحدثك عن ميزانية الدولة، وحُرمانية المال العام، يمكن الكلام ده مايهمش حضرتك، لكن أيه شعورك وأنت داخل أي مصلحة حكومية؟ بذمتك مش بتكون ندمان أنك ماكتبتش وصيتك قبلها؟.. طيب تصدَّق بالله؟.. العبد لله عنده مصلحة بسيطة المفروض تنقضى في أي مكان في العالم في أقل من عشر دقايق في إحدى المصالح الحكومية، ومع ذلك أقوم بتأجيلها تباعًا رغم أن المثل بيقول وقوع البلاء ولا انتظاره، لكن في الحقيقة البلاء أشد من انتظاره، ومن إنهاء مصلحتي تلك كمواطن!
يعني لما تدخُل على موظف يبُص لك بقرف، ومايرُدش عليك السلام، وينشغل عنك باللعب في مناخيره، أو في موبايله، أو يهرُش تحت باطه، ويتعصَّب عليك علشان كررت طلبك مرّتين رغم أنه ظهر عليه أنه ماأخدش باله في المرَّة الأولى، وبعدين يقول لك آخر الطُرقة، والحقيقة ماعنديش فكرة عن أصل اعتقاد وإيمان الموظفين المُطلَق بأن دايمًا فيه حَد في آخر الطُرقة بيعمل الشُغل إللي هُما مكسلين يعملوه!
وطبعًا الزحام في أي جهة حكومية أمر طبيعي؛ بسبب أن ماحدش بيشتغل، ولو عملت ناصح وقولت أروح الصُبح بدري هتلاقي مُعظم الموظفين لسَّه مجوش، طيب وإللي جه؟.. طبعًا قاعد بيفطر ومش فاضي لك، وأبسط كلمة وأكثرها تهذيبًا مُمكن يقول لك:
استنى على ما نفطر.. أما لو قولت أروح بعد ما يفطروا ويشربوا الشاي والسجاير والشيشة ويقروا الجرايد ويتكلموا عن هزيمة الزمالك بتاعة إمبارح، فهتروح مش هتلاقي حَد مستنيك، الكُل خلع، إللي أمه عيَّانة، وإللي عيالها عايزة ترضع، وإللي خالته بتتجوَّز، وإللي خلاص مابقاش لاقي حاجة يتكلِّم فيها، أو حاجة ياكُلها، أو حَجَر معسل يشربه، فقرر ينزل يشربه ع القهوة!
باختصار.. لم يكُن أحد من حضراتكم في حاجة لقراءة ذلك المقال، فلن أستطيع تقديم اللازم من الأحداث أو الأدلة للإشارة لاحتياجنا الشديد لقانون يُنظِّم هذه المهزلة، من الآخر ناس بتقبض فلوس بدون إنتاج، ومش كدة وبس، لكنهم كمان بيعطلوا مصالح الناس، يعني لا منهم ولا كفاية شرّهم، والغرض من القانون - وإحنا في عرضه - أنه يدفع الموظفين للعمل، ووقتها هيخف الزحام في المصالح، وهنقدر نقضي مطالبنا بسهولة أو حتى بصعوبة، بس تنقضي والسلام، ويقضيها الموظفين الحقيقيين إللي قاعدين على مكاتب، مش العفاريت إللي في آخر الطُرقة!