رئيس التحرير
عصام كامل

حينما قرر المواطن العربي أن يعيش


حاولت كثيرًا أن أفهم معنى أن يثور مواطن عراقي من أجل انقطاع الكهرباء لمدة أسبوعين متتالين، نعم ذلك البلد بالتحديد الذي يعاني الأمرين من سرطان يسمى داعش يسري في مدنه الواحدة تلو الأخرى، مبتلعًا كل ما هو ذو قيمة ومحولًا نهر الفرات إلى مجرى للدماء، ترك المواطن العراقي الذي يعاني من نور المالكي رئيس الوزراء الذي سرقه لمدة ثماني سنوات، وفق تقارير عراقية، ومن تقسيم يلوح في الأفق وشيطان أمريكي في خلفية الصورة يتباهى بتحقيق حلمه في تدمير عراق صدام حسين ليحولها إلى إمارة تتبع رجلا ذا عمة يجلس في طهران، ترك ذلك كله وقال أين الكهرباء؟


حاولت أن أفهم ثورة المواطن العراقي، وتألمت لما حدث في لبنان «اختبار الله في الأرض» اشتكى أهلها من انتشار القمامة في الشوارع، آخر ما كنت أتوقعه أن تعاني بيروت القذارة، أن يعاني أوروبا العرب رائحة نتنة تملأ شوارعهم لدرجة أنهم يتظاهرون لوقف تلك المهزلة.

في مصر تحرك الموظفون ضد قانون الخدمة المدنية بعد أن حصلوا على إذن للتظاهر كانوا بالمئات ، العدد ليس مهم ، موظفو مصر يتظاهرون كلمات لم أقرؤها منذ عام 2008 حينما خرج عمال المحلة يدوسون صورة مبارك بـ«الجزمة» ثاروا تلك المرة من أجل الدفاع عن حقوقهم.

نحن أمام معادلة جديدة، فالمواطن العراقي لم يهمه ما يحدث في الموصل الأنبار وخرج يحتج على انقطاع الكهرباء، لم يحتج على الأراضي التي تمت سرقتها منه في وضح النهار، لم يحتج على معركة السلطة الدائرة حاليا في بلاد الرافدين لم يغضب لفساد المالكي ولم يتعاطف مع العبادي فقط قال لهم أين الكهرباء؟

المواطن اللبناني يعيش بلا رئيس لأكثر من عام، مش مشكلة، وحزب الله يجرفه إلى المعركة السورية بكل قوة بجانب حدوده الملتهبة هذا أيضا أمر لا يهم فالكارثة الحقيقية هي أكوام القمامة التي تكدست على جانبي الطريق أمر أصبح لا يطاق.

في مصر لا يختلف الأمر كثيرًا ثار الموظفون ولم يحركهم شيء سوى قانون يمس قوت يومهم بصورة مباشرة، لم يعر انتباههم أي شيء آخر فجأة نسوا أن الدولة تحارب الإرهاب، سحبوا كلامهم بمجرد أن تعلق الأمر بهم !

منذ أيام قال الكاتب الصحفي «غسان شربل» في افتتاحيته في الحياة اللندنية المواطن العربي الجديد لا يريد سوى أن يعيش، ألا يستهدفه أحد وألا يفقد عزيزا عليه، كلام شربل صحيح ولكني أضيف عليه أنه يريد أيضا أن يعيش كريمًا، أن يبقوا فوهة المسدس بعيدًا عنه شرط أن يعطوه الكهرباء وألا يرى القمامة وألا يضطر إلى فقد قوت يومه.

سئمت الشعوب  حجة الأنظمة أنها تحارب الإرهاب، ربما لم يسمعوا بقصة المواطن الذي ذهب إلى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل يطلب منه من خلال القضاء أن ينقل مطارا حربيا بجوار بيته لأن أصوات الطائرات تسبب له إزعاجا كان ذلك في أتون الحرب  العالمية  وافق تشرشل ونقل المطار الحربي لأنه يدرك أن محاربة العدو لن تكون مبررًا لإيذاء حياة الناس اليومية.
الجريدة الرسمية