حل الأحزاب الدينية !
قبل الإجابة عن هذا السؤال دعني أحيلك إلى «المادة 54 من الدستور الجديد» التي تنص على: «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون، ولا يجوز قيامها أو مباشرتها لأي نشاط على أساس ديني، أو التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو الموقع الجغرافي أو الطائفي أو ممارسة نشاط سري أو معادٍ لمبادئ الديمقراطية، أو ذي طابع عسكري وشبه عسكري، ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي».
إذن «المادة 54» تعني بوضوح عدم قيام الأحزاب، ومباشرة أنشطتها على «أساس ديني»، تستوى في ذلك أحزاب: «الحرية والعدالة، والنور، والفضيلة، والبناء والتنمية، والأصالة، والراية، والوطن.....».
لكن مواد الدستور شيء، والواقع مختلف تمامًا، فالسرعة التي تم بها حل حزب «الحرية والعدالة- الإخواني»، لم نعهدها مع الأحزاب الأخرى، التي ربما تكون- فكريًا وأيدلوجيًا- أكثر تطرفًا وتشددًا منه، خاصة تلك التي ساندت ثورة «30 يونيو»، مثل حزب «النور»، ما يدل على أن «حل الأحزاب الدينية» لا يخضع لضوابط قانونية، ولا دستورية، وإنما يخضع لـ«التوازنات والمواءمات السياسية»، أو ربما اللجوء إلى وضع «ورقة الحل» في الدرج، والتلويح بها، وإخراجها وقت الحاجة إليها.
لدينا في مصر- حاليًا- أكثر من «80 حزبًا»- وفقًا لبوابة معلومات مصر- منهم «24 حزبًا» تأسست قبل ثورة «25 يناير»، والباقي تم الإعلان عنه، وتأسيسه عقب ذلك التاريخ.. وهذا العدد المهول من «الغُرز السياسية» يجعلني أتحدى أي باحث متخصص في الشئون الحزبية أن يذكر أيدلوجية هذه الأحزاب، بل أتحداه أن يذكر لنا أسماءها فقط!
ورغم أن الأحزاب السياسية تعتبر حجر الزاوية في مبادئ الديمقراطية، وأحد مظاهرها الجوهرية؛ لما تلعبه من دور مهم في تقويم السلطة وكشف عيوبها وتقويمها بالاتجاه الصحيح.. إلا أن واقعنا المصري على عكس ذلك تمامًا.. فكثير من هذه الأحزاب توالي السلطة، وتتستر على عيوبها، وتداري على انحرافها، وتتحول إلى أبواق دعاية للحاكم، متجاهلة القضايا والأزمات التي يعاني منها أفراد الشعب.
أنا- كمواطن على الأقل- غير مقتنع بجميع الأحزاب القائمة حاليًا، ومع الدعوة إلى حلها، ولو لفترة مؤقتة؛ وإتاحة الفرصة لإعادة تأهيلها من جديد؛ لإثبات وجودها وجدواها في الشارع المصري، ولتؤدي الدور الذي يجب أن تلعبه، لا أن تكتفي بوضع لافتة على «كشك» باسم الحزب، الذي قد لا يعلم مؤسسه عن أيدلوجيته شيئًا.
الأحزاب في مصر تتطور إلى زوال.. وحسب قناعتي، لا توجد عندنا أحزاب بمعناها ومفهومها الحقيقي، تستوي في ذلك الأحزاب المدنية والدينية.
وإذا كانت الأحزاب الدينية تريد أن تمارس عملًا «دعويًا»؛ لخدمة دينها، فلماذا لا تقوم بهذا الدور في دور العبادة، ووسائل الإعلام، والمؤتمرات، والندوات، وتترك ألاعيب السياسة القذرة، وحساباتها الأخرى، وتوازناتها المعقدة لأهل السياسة، ومَنْ يجيدون فنونها.
إن الخطورة تكمن في «خلط الناس» بين ما يقوله المسئول في حزب ديني، هل هو رأي سياسي، أم رأي فقهي؟ فهم في ذلك يربطون بين أمرين متناقضين تمامًا: الدين الإلهي «الثابت»، والسياسة البشرية «المتغيرة»، وعلى الإخوة «الدينوسياسيين»- إن جازت لنا هذه التسمية- أن يحددوا موقفهم، بعيدًا عن الإمساك بالعصا من المنتصف.
نعود إلى السؤال من جديد: هل تؤيد حل الأحزاب الدينية؟
الإجابة مرة أخرى: نعم.. شريطة أن يكون «الحل» قائمًا على أساس «حكم قضائي»، لا عن طريق الحملات الشعبية.. لماذا؟ لأننا لو استجبنا للحملات الداعية لـحل الأحزاب «الدينية»، فمن غير المستبعد أن تخرج علينا حملات «مضادة» تدعو إلى حل الأحزاب «المدنية» أيضًا.. وساعتئذٍ لن نأمن العواقب، وربما يتناحر الطرفان، وتدخل البلاد في صراع جديد، نحن في غنى عنه الآن.