رئيس التحرير
عصام كامل

الفرحة والمهام المطلوبة


مع الفرحة بافتتاح قناة السويس الجديدة، يجب ألا ننسى معاناتنا من التسيب، والإهمال، والعشوائية، والارتجالية، والرشوة، والفساد بمختلف صوره وأشكاله.. لا أريد أن نستغل الفرحة في ستر عيوبنا؛ في التعليم، والصحة، والزراعة، والصناعة، والنقل والمواصلات، والإسكان.. إلخ.

لا أريد أن تسكرنا الفرحة، فنغفل عن حقيقة أوضاعنا المأساوية والكارثية، وأننا في أمس الحاجة إلى بذل جهود جبارة للنهوض والتقدم في كل المجالات.. لا شك أن منا من فرح حقيقة، ومنا من فرح إغاظة وكيدا في آخرين، ومنا من فرح مسايرة للفرحين حتى لا يكون نشازا..

من الضروري أن نسأل أنفسنا: هل من الممكن أن نحقق في المستقبل القريب إنجازات كبرى، كما فعلت المؤسسة العسكرية؟، وأن نستلهم من إنجازها الكبير نموذجا ومثالا نحتذي به في كل أمورنا حتى نبلغ النهضة التي نرجوها؟! 

بمعنى آخر، هل من الممكن أن تسري روح الانضباط والهمة والعزم والإرادة التي تميز المؤسسة العسكرية إلى مؤسساتنا المدنية؟.. قد يقول قائل: ولم لا؟.. إن المؤسسة العسكرية ليست وافدة علينا، ولا هي تمثل تجمعا غريبا عنا، أو تطبق منهجا مستحيلا أو صعبا بحيث لا يمكن استنساخه.. بل هي من هذا الشعب، قلبا وقالبا، جوهرا ومظهرا، ومن ثم ليس بمستحيل على الشعب أو مؤسساته المدنية، أن تكتسب تلك القدرات والصفات..

مرة أخرى نقول: إن هناك مهام جسام تنتظرنا، فهل نحن على استعداد أن نرقى إلى مستوى التحدي؟، أم أننا سوف نلقي بها على أكتاف المؤسسة العسكرية، ونكتفي بالدعاء لها و"الفرجة" عليها والتهليل لها؟

هذا هو السؤال.. إن شعبا قام بثورتين عظيمتين في أقل من ثلاثة أعوام، لهو قادر على أن يصنع المعجزات.. نعم هناك مثبطات كثيرة، ومعوقات لا تنتهي، لكن عليه ألا يستسلم لها.. هناك أيضا من يتمنى له الفشل ويعمل بإصرار على تشتيت جهوده ومنع قواه من أن تتكاتف وتتضافر، لكن عليه ألا يلتفت إليه، ولا يدعه يفت في عضده أو ينال من عزيمته.. عليه أن يؤمن بأن من جد وجد، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وأنه لا يصح إلا الصحيح.. لا بد له من الثقة بالنفس، والإيمان بقدرته على النهوض وتحقيق التقدم، وأنه لا بد من ركوب الصعب، فمن لم يتعلم صعود الجبال ** يعش أبد الدهر بين السفح، كما قال الشابي، شاعر تونس العظيم.. إن الشعب المصري ليس أقل من شعوب أخرى بنت مجدها بسواعدها، وحفرت في الصخر حضارتها بأظافرها.

لتكن قناة السويس الجديدة إذن هي نقطة الانطلاق، أو البداية الحقيقية لبناء مصر التي نريدها ونرجوها، عظمة وعلوا وشموخا.. وعلى الشعب أن يكون يقظا ومنتبها وواعيا، فلا يدعُ أحدا يسلبه همته وعزيمته.. سوف يجد كثيرا من المداهنين والانتهازيين والطفيليين يريدون ركوب الموجة، وتسلق السفينة وتوجيهها لتحقيق مآربهم الذاتية.. وعليه أيضا أن يوقن أنه لن يستطيع أن يحقق إنجازا كبيرا كان أم صغيرا، ما لم يعالج عيوبه ويتخلص من آفاته.. فقط يحتاج الأمر إلى إرادة، وقديما قالوا: إن صح منك الهوى ** أرشدت للحيل.

نريد خطة ممنهجة للعلاج، لها بداية ونهاية، لها وسائلها وأدواتها، ولها رجالها الذين يشرفون عليها ويتابعونها في كل المجالات والميادين؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. هذه هي مهمة رئيس الدولة في المقام الأول.. إن هذه المرحلة هي مرحلة الجد والهمة والعزم.. لا نريد عبثا أو هزلا أو تراخيا أو تواكلا.. من يريد أن يعمل أو يسهم في البناء، فأهلا به وسهلا، بل هو في عيوننا وعلى رءوسنا، وله أجره والاحترام والتقدير الذي يستحقه.. ومن يريد غير ذلك، فلا أهلا به ولا سهلا، ولا مكان له بين الأوفياء الصادقين.

إن الفرحة التي عمت أرجاء مصر بافتتاح قناة السويس الجديدة، وما سوف تجره من خير لمصر والعالم، هي رسالة واضحة إلى الدول والشعوب الأخرى، بأن الشعب المصري ملتف حول قيادته، مطمئن إليها، واثقا بقدرتها على العبور به إلى بر الأمان، وإن الشائعات التي يبثها ويرددها المغرضون والمرجفون، لن تحقق أغراضها وسوف تتحطم على صخرة الواقع.. هي رسالة أيضا بأن مصر، الشعب والوطن، هي أمل الأمة العربية ورائدة نهضتها، وأنها "رمانة الميزان" لدول المنطقة، ومن أراد إعاقتها عن القيام بدورها تجاه نفسها وتجاه أمتها، سوف تبوء محاولاته بالفشل.
الجريدة الرسمية