وزارة الثقافة.. غياب الدور والرؤية
تُعد الثقافة أحد أضلاع مثلث التقدم والرقي في أي مجتمع من المجتمعات، وفي أي دولة من الدول تنطلق نحو الحرية والديمقراطية والقيم الإنسانية الرفيعة. والضلعان الآخران هما التعليم والإعلام.
وقد غاب هذا المثلث غيابًا شبه تامٍ عن مصر – سواء كان عمدًا وسوء نية أو عن جهلٍ وعدم دراية – طوال أكثر من أربعة عقود، فانهار التعليم إلا قليلا، وانحدر الإعلام إلى هوّات سحيقة، وتلاشت الثقافة وأفسحت المجال واسعًا للتطرف الديني ومن ثَمّ الإرهاب المتشح بالدين.
وقد تحدث الكثيرون من الخبراء والمتخصصين في التعليم والإعلام، مرارًا وتكرارًا، وأدلوا بآرائهم من أجل إصلاحهما؛ ولعل الأيام المقبلة يتحقق فيها شىء. غير أن الحديث عن الثقافة لايزال مستمرًا منذ اختيار الدكتور عبد الواحد النبوي، رئيس دار الوثائق المصرية وأستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، وزيرًا للثقافة في التعديل الوزاري الأخير لحكومة المهندس إبراهيم محلب في 5 مارس من العام الجاري.
وكما هو من المعلوم في مصر منذ 1952 حتى يومنا هذا، فإن المواطن المصري لا يعرف لماذا خرج ذلك الوزير- أي وزير – ولِمَ جاء هذا الوزير!
وقد يجهل الكثيرون، وأنا منهم بطبيعة الحال، السيرة الذاتية للسيد الوزير النبوى ونشاطاته قبل توليه الوزارة؛ وقد يعود السبب لتقصيري في القراءة والبحث والتنقيب، وقد يكون لرغبة الوزير في العمل بعيدًا عن الضوضاء والصخب الإعلامي، أو لندرة كتاباته ومشاركاته في وسائل الإعلام السيارة.
غير أنه من الواضح والظاهر للعيان أن الأضواء الكاشفة قد سُلطت على وزير الثقافة منذ بدايات عمله ونشاطه في الوزارة، وأوضحت أولى أزماته مع إحدى الموظفات ساخرًا منها أو مُداعبًا ومعتذرًا بعد ذلك "بوساطة" السيد رئيس الوزراء!
ولم تكن آخر أزماته إزاء المثقفين مع إقصاء بعض قيادات الوزارة واستبدالهم بشخصيات أخرى دون إعلان الأسباب أو "الدوافع الثقافية" وراء ذلك، كما يؤكد عددٌ من المثقفين العارفين بأمور الثقافة عامة والوزارة على وجه الخصوص.
لقد تعاقب ستة وزراء على كرسي وزارة الثقافة منذ ثورة يناير 2011، أي في نحو أربع سنوات، البعض جلس لأيام معدودة والبعض الآخر لشهور قليلة ومنهم من لم يدخل مبنى الوزارة من أصله! وذلك بعد الإطاحة بوزير أسبق مكث على الكرسي 24 عامًا. ومن الصعب تذكر أسماء أولئك الوزراء للمواطن العادي، فما بالنا بعمل وزارتهم ونشاطهم!
إن دور وزارة الثقافة لم يغب فقط عن وزير الثقافة الحالي، ولكنه غائب عن المجتمع والدولة منذ سنوات طويلة، غير أن هذا الدور لم يغب عن وزير الثقافة الأسبق قبل ثورة يناير حيث كان يخدم النظام الحاكم و"يُخدّم" له. وبعد الثورة تخبطت وزارة الثقافة ووزيرها بين محاولة التنوير ومحاولة الأخونة وبين إحياء تقافة التنوير بمعناها الشامل وبين محاولات طمس الهوية الثقافية المصرية.
إن غياب الرؤية لوزارة الثقافة أدعى لإلغاء هذه الوزارة – على غرار إلغاء وزارة الإعلام – والإبقاء على المجلس الأعلى للثقافة كهيئة وطنية مستقلة بعيدة عن الهياكل الوزارية المختلفة، بحيث يتكون هذا المجلس من شخصيات مصرية ثقافية مشهود لها بالفكر الحر المستنير والثقافة العالية والخبرة العريقة، لرسم مستقبل الثقافة المصرية ونشر ثقافة المواطنة والتفكير الحر والتنوير في المجتمع.