رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة الرئاسة تعصف بمستقبل كردستان العراق

فيتو

قبل أسبوع من الانتخابات الرئاسية تستمر أزمة الرئاسة في كردستان العراق، وسط انقسامات بين الكتل السياسية فيها وفي الشارع حول إعادة انتخاب البرزاني. فكيف ستُأثر هذه الأزمة على مسار كردستان ومستقبلها؟

تتجه الأنظار حاليا إلى إقليم كردستان العراق الذي من المفترض أن يشهد الأسبوع المقبل انتخابات يدور حولها جدل كبير بسبب ما يُوصف بأزمة الرئاسة، حيث تنقسم المواقف بين من يرى ضرورة التمديد لمسعود برزاني للمرة الرابعة من منظور مراعاة المصلحة القومية في ظل ما تشهده المنطقة من أزمات واضطرابات كبرى، وبين من يُصِرُّ على ضرورة احترام العملية السياسية الديمقراطية وانتخاب رئيس جديد للإقليم.

وتنتهي ولاية برزاني الثالثة التي تم تجديدها عام 2013 في 20 من شهر أغسطس الجاري، وتسعى الأحزاب الرئيسة التوصل إلى حل مناسب، يُرضي جميع الأطراف، قبل انتهاء المدة.

مسعود برزاني الذي يتوقع له الكثيرون الفوز بولاية جديدة في حال ترشحه، يواجه تحديات أبرزها موقف حكومته السلبي من التدخل التركي ضد حزب العمال الكردستاني وهو ما أثَّر على شعبية حزبه، حسب ما أفاد به خبراء لـ«DWعربية».

من جهة أخرى يُصادف توقيت هذه الانتخابات أجواء الحِراك الشعبي في بغداد، والتي نجحت في تمرير حزمة إصلاحات شملت إعفاء 6 من كبار المسؤولين بعد سلسلة احتجاجات مطالبة بمحاربة الفساد. فهل يتأثر الداخل الكردستاني بهذه الأجواء، وهل تتعزز أصوات المعارضة بشكل أكبر؟

حظوظ قوية

يحكم مسعود البرزاني (68 عاما) زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني والمقاتل السابق الذي حارب ضد صدام حسين لعشرات السنين، المنطقة الكردية منذ إنشاء النظام الرئاسي بها عام 2005.

ويدعو أنصاره إلى تجديد ولايته رغم عدم وجود سند قانوني. ويبررون بأن مشروع الدولة الكردية قد يفشل وقد تصبح كردستان في مهب الريح إذا غاب برزاني عن السلطة، خصوصا في ظل الوضع الإقليمي الحالي والأخطار المحدقة بالإقليم.


وهناك ما يعزز من حظوظ برزاني حسب المراقبين. يقول رجائي فايد رئيس المركز المصري للدراسات الكردية لـ« DWعربية»: "إن الظروف التي يمر بها العراق والمنطقة ككل قد تدفع إلى إعادة انتخابه على أساس أنه شخص مرغوب فيه ليقود الإقليم في ظل التوازنات الإقليمية الحالية خصوصا مع استمرار خطر "داعش". 

وأضاف "كل هذا يجعل البعض يعتقد أن المرحلة تفرض استمرار وجود هذا الرجل، لكن ذلك يجد معارضة الأطراف، حتى من حزب الاتحاد الوطني، حليفه التقليدي، الذي اشترط أن يتولى حزبه رئاسة الحكومة الكردية مقابل القبول بتجديد ولاية برزاني.

كا يعتبر الحزب أنه من غير المعقول أن يستحوذ الحزب الديمقراطي على رئاستين من أصل ثلاث رئاسات في البرلمان والحكومة والإقليم.

من جانبه يقول الدكتور يسري عزباوي الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في حوار مع DWعربية، إن برزاني يبقى المرشح الأقوى حتى مع الانتقادات الموجهة له "برزاني يستغل الخلافات مع الحكومة المركزية في بغداد من أجل تثبيت سلطاته، فقد تمكّن من بيع النفط بشكل مباشر دون الرجوع إليها، ولديه تأثير كبير داخل البرلمان، كما أنه كسب ثقة الغرب كفاعل مهم في محاربة الإرهاب، وتمكّن من خلال ذلك من الحصول على السلاح من الولايات المتحدة وأوربا، كل هذا تم في ظروف إقليمية معقدة وهذا كله يصب في مصلحته".

تنافس على السلطة
منذ أن أطاح الغزو الأمريكي للعراق بصدام عام 2003 تعاون أكبر حزبين كرديين (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) إلى حد كبير في إدارة المنطقة الكردية بموجب اتفاق استراتيجي، حيث اقتسما المناصب الحكومية واستغلا الأغلبية المشتركة في برلمان المنطقة للحفاظ على الوضع القائم.

وبينما تولى البرزاني رئاسة المنطقة تولى زعيم حزب الاتحاد الوطني رئاسة العراق وهو منصب شرفي تم تخصيصه للأكراد في عراق ما بعد صدام.

شهدت الأعوام الأخيرة نزاعات ومنافسات بين الأطراف الكردية ما ساهم في إحداث شرخ بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني. وبالإضافة إلى هذا التباعد في المواقف وتدخل الأطراف الإقليمية في كردستان مثل تركيا وإيران، يواجه برزاني تحديات كبرى حاليا أبرزها، حسب عزباوي الغضب الشعبي من الاعتداءات التركية على حزب العمال الكردستاني "صمت برزاني على هذا التدخل قد يؤثر أيضا على شعبيته، حيث من الممكن أن يستغله خصومه السياسيون في الحملة الانتخابية".

أما التحدي الآخر باعتقاد الخبير المصري فهو مسألة خرق الدستور " برزاني سعى لولاية إضافية يعني تجاوز الدستور، كما وقّع برزاني على مرسوم لإجراء الانتخابات في 20 من الشهر الجاري وهو ما يُعتبر تحديا للبرلمان وللدستور نفسه".

لكن الخبير رجائي فايد لا يعطي أهمية كبرى لمسألة خرق الدستور "في بلداننا بما فيها إقليم كردستان، حيث من السهل جدا أن يُرمى بالدستور عرض الحائط، سواء تحت اسم المصلحة الوطنية أو غيرها من المبررات. "هذا أمر اعتدنا عليه".

هل يتأثر الأكراد بما يجري في بغداد؟

ويشير عزباوي إلى أن المشهد الكردستاني حاليا يعرف حالة انقسامات داخل الكتل الأخرى وغياب منافسين أقوياء وهو ما يُعقد الأمور بشكل أكبر "الاتحاد الوطني الكردستاني يمر بحالة من الضعف في ظل غياب جلال طالباني، أما حركة التغيير فهي تتمتع بشعبية لكنها لا تُضاهي مكانة الحزب الديمقراطي في الساحة الكردية".

الاحتجاجات والمطالبة بمحاربة الفساد في بغداد والتي بدأت تؤتي أُكلها على ما يبدو قد تُساهم باعتقاد البعض في تعزيز صفوف المعارضة في الداخل الكردستاني.

ويعتبر الخبير رجائي فايد أن مظاهرات بغداد ستشجع خروج المتظاهرين في كردستان أيضا، غير أن الأمور ستبقى في حدود الاحتجاجات؛ لأن الخيارات داخل الإقليم محدودة؛ ولأن الاتفاق الموجود بين حزبي الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي بتخصيص رئاسة الإقليم للحزب الديمقراطي ويعني ذلك أن تغيير البرزاني لا يغير في الأمر شيئا.

الحزب الديمقراطي حزب عشائري والصغير فيه يدين بالولاء للكبير، وبالتالي فمن الصعب الحديث عن بديل من خارج أروقة هذا الحزب "لكن الجيل الثاني من حزب الاتحاد الوطني أصبح يُعارض مضمون هذا الاتفاق وهو ما يعزز التباعد بين الحزبين، حسب الخبراء.

من جانبه يرى عزباوي أن الحديث حول إمكانية تأثير الحراك القائم في بغداد على العلمية السياسية في كردستان ليس في محله ويشرح ذلك قائلا: "ليس فقط لأن الإقليم يتمتع بحكم ذاتي بل كذلك؛ لأن المحافظات الكردستانية تتمتع بنوع من الاستقرار والهدوء والتنمية ولا تشهد أزمات سياسية واقتصادية كتلك التي يعرفها العراق".

ورغم كل ذلك لا ينفي الخبير المصري أن بعض القيادات الكردية تحاول التأكيد على مبرر المصلحة القومية وعلى حلم الأكراد لتأسيس دولة مستقلة بهدف تجديد ولاية برزاني وما حققوه بفضله.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية