رئيس التحرير
عصام كامل

ثنائيات الرحيل والدفن!


جمع الرحيل الحزين المحزن للنجم نور الشريف، جيله كاملا في مراسم تشييع الجنازة من مسجد الشرطة أمس بمدينة السادس من أكتوبر.. كانوا كلهم هناك، في مشهد يؤشر على دلالة الزمن القاهر.

بالطبع لم تحظ جنازة فنان في الآونة الأخيرة، بما حظيت به مراسم التوديع والدفن للفنان الذي أبدع وأوجع، أبدع فنا، وأوجع قلوبنا بما تغيرت إليه حالته الصحية، فضلا عن حاله العائلية والإنسانية خلال العامين الماضيين.

خلت جنازة عمر الشريف من كثيرين، كما خلت جنازة سامي العدل من الكبار، بالطبع خلت جنازة الشابة ميرنا المهندس من أعداد ونجوم مميزين.. رغم الحر القاتل، ظهرت النجوم في عز الظهيرة.. كان هناك نجم النجوم عادل إمام، أول من قدم نور الشريف إلى المخرج حسن الإمام، مخرج الروائع، ليقدم دور العمر في ثلاثية الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ، بين القصرين وقصر الشوق والسكرية.

أثار نور الشريف إعجاب جيلي، في تقمصه المبدع، رغم بداياته الفنية، لشخصية كمال عبد الجواد في الأجزاء الثلاثة.

كان هناك فتى مصر الأول في جيله محمود ياسين، وقد بدا فانيا متهالكا، وكان هناك النجم محمود عبد العزيز، ومن أبرز أفلامهما معًا: العار، ومعهما النجم حسين فهمي، كان هناك أيضا أحمد بدير المنهار من وطأة الحزن.. رحت أتأمل أحزان هؤلاء على رحيل رفيق الطريق.. كانوا جميعا نجوما، ومنهم من احتفظ بها متوهجا حتى اللحظة الأخيرة عادل إمام، ومنهم من استسلم محمود ياسين، ومنهم من يعافر ومعصلج محمود عبد العزيز، ومنهم من رضى وقنع، ومتصالح مع نفسه دوما حسين فهمي.. هل كانوا يبكون رحيل الفنان الذي عاشوا سنين عمرهم معه، أم هم يبكون أنفسهم؟!

بالطبع، فإن الأعمار بيد خالقها وحده سبحانه، ولكن بلوغ قطار العمر نهاية الخط، يلقي في النفس شجنا وألما.. من أجل هذا أتصور أن هذه الجنازة لم تكن بكاء على نور الشريف، بل هي بكائية على تسرب العمر ومرور الزمن ثقيلا قاسيا على وجوه، كانت يوما رموزا للنضارة والحيوية والشباب.

في نفس يوم دفن نور، مات الفنان الفيلسوف أيضًا علي حسنين، وبينما دفن نور بالقاهرة، دفن علي في الإسكندرية.. ثمة ارتباط أيضًا لاحظه الناس في رحيل أحمد زكي وصديقه الحميم الفنان ممدوح وافي، وثمة ارتباط مربك، تأمله الناس حين مرض عمر الشريف، وضربه الزهايمر عقب رحيل حبيبته النجمة فاتن حمامة، حتى لحق بها.

الثنائيات في الوسط الفني عابرة أو عميقة، تعبر عن نفسها في أعمال فنية، أو في رحيل أبدي متزامن.

في عالمنا الصحفي، لا توجد ثنائيات، لا عابرة ولا عميقة.. توجد فقط النرجسية والمنفعة.. نجم ومن حوله خدم، يسمونه نبي الصحافة.. فقد اخترع فن الابتزاز، وصنع الملايين، وهم من بعده يغترفون.. عالم العوالم، أنقى أحيانا من عالم قطاع الطرق والأعراض في مهنتنا أم جلاجل!
الجريدة الرسمية