رئيس التحرير
عصام كامل

عندما صرخ نور الشريف: "يا ولاااد الكلب"!


بعيدا عن أفلام "إلحقونا" و"آخر الرجال المحترمين" و"أهل القمة"، وفيها ما فيها من احتجاج نور الشريف على مجمل سياسات السبعينيات والثمانينيات، إلا أننا يجب أن نتوقف أمام ما يمكن أن نسميه "ثلاثية نور الشريف" التي وكما قلنا أمس، لم ينتبه النقاد إلا لعمل واحد منها وهو فيلم "سواق الأتوبيس" الذي أنتج عام 82.. أما الفيلمان الآخران فهما على الترتيب "بيت القاضي" عام 84، والثالث هو "كتيبة الإعدام" عام 89!


الأفلام الثلاثة تقريبا تقول فكرة واحدة.. ورسالة واحدة.. وخلاصة واحدة.. هي أن هذا البلد تم نهبه ممن لا يستحق على حساب أبنائها الحقيقيين، وعلى حساب البلد نفسها، وكلها تحمل من الرمز والإسقاط أكثر مما تحمل من أي شيء آخر.. ففي سواق الأتوبيس يقوم نور الشريف بدور حسن المقاتل السابق في الجيش المصري، في دور سائق نقل عام إلا أن الورشة التي أضاع فيها والده عمره التي تعيش منها العائلة كلها ومن فيها من عمال تتعرض لمؤامرة كبيرة لإغراقها في الديون ممن يعملون بها والطامعين فيها، حتى يتم الحجز عليها ثم بيعها بثمن بخس يكاد يكفي لديونها!، ويلتقي حسن بزملاء دفعة الجيش ويتعاهدون على إنقاذ الورشة!

في بيت القاضي الذي كتبه أهم كاتب سينمائي مصري هو عبد الحي أديب، عن قصة واحد من أهم الروائيين الذين تحولت أعمالهم إلى أعمال سينمائية هو إسماعيل ولي الدين، صاحب "الأقمر" و"حمام الملاطيلي" و"درب الرهبة" وغيرها، يقوم نور الشريف بدور فتحي الذي يعود من الخارج فيجد أن أباه الرجل الصالح قد مات في ظروف غامضة، وأن ثروته قد نهبت، وأن زوجة أبيه تزوجت بغيره، وأن كل شيء قد تغير إلى الأسوأ في الحارة وفي البلد كلها لتكشف الأحداث له، أن أباه قد قتل عمدا من زوجة أبيه وشريكها، ويساعده في معركته الطويلة ضد المجرمين صديقه المقاتل في الجيش أيضا، الذي بترت ذراعه في معارك الدفاع عن الوطن، الذي قام ببطولته الفنان فاروق الفيشاوي!

الفيلم الثالث هو كتيبة الإعدام عن الخائن الذي كان يسرق أموال الجيش فترة الحرب وحصار الجيش ثم صار نجما من نجوم الانفتاح والمال، إلا أن حسن عز الرجال يتهم بدلا منه، ويسجن إلا أنه يعود ليواجه إمبراطورية المال والفساد، ولا يجد حلا في الأخير إلا باستخدام السلاح للخلاص من اللص الخائن الذي حمته القوانين غير العادلة في حين ظلمت المقاتل الشريف، والفيلم كتبه المبدع الكبير أسامة أنور عكاشة، وأخرجه عاطف الطيب، واعتُبر وقتها فيلما ناصريا من الألف إلى الياء تأليفا وبطولة وإخراجا!

الفيلم الثاني يحتاج إلى إعادة مشاهدة رغم إخراجه المتواضع لأحمد السبعاوي، والفيلم الثالث ترك صانعوه نهايته مفتوحة؛ حتى يحكم كل مشاهد بالحكم العادل الذي يراه على حسن عز الرجال ورفاقه، وكان صعبا على مؤلف ومخرج الفيلم إدانتهم، وقد انتقموا من خائن ولص، كما كان صعبا أيضا منحهم البراءة؛ حيث استخدموا العنف والرصاص بعيدا عن القانون.. أما في الفيلم الأول فيترك مؤلفه الكبير بشير الديك، بشراكة مع محمد خان، نهايته أيضا مفتوحة، ويتركها للمشاهد، خصوصا أنها كانت معبرة جدا تسيطر عليها الرغبة في الثأر من كل اللصوص والحرامية، وهو ينتقم من لص الأتوبيس، وقد كان الوحيد الذي استطاع الإمساك به، إلا أنه أفرغ معه غل الزمن كله وكانت صرخته مدوية في وجه الجميع.. وضد الجميع وهو يصرخ "يا ولاااد الكلب"!

وقد كانت صرخته عندئذ من قلبه.. وقد كانت أصدق صرخاته في السينما على الإطلاق!!
وغدا سنكمل..
الجريدة الرسمية