رئيس التحرير
عصام كامل

قانون الخدمة المدنية.. تغيير الثقافة أولا


من الطبيعي أن يثور موظفو الحكومة على الحكومة التي تريد تطبيق قانون الخدمة المدنية.. ومن المنطقي ألا يتقبل الناس فكرة خفض العلاوات، وربط الترقيات برأي الإدارة، وإلغاء نظام الأقدمية، واستبعاد رصيد الإجازات من المستحقات التي يتقاضاها الموظف عقب خروجه للمعاش، ومنح المدير حق التحقيق الشفهي مع مرءوسيه وتوقيع الجزاء عليهم.


في هذا الصدد لا يجوز أن نلوم العاملين بالحكومة والموظفين، لكن لنسأل مؤيدي تطبيق القانون: هل يمكن أن يمر الأمر بسلام، في ظل الفساد الذي يستنشقه المصريون وأصبح جزءا لا يتجزأ من الثقافة المصرية، على اختلاف الانتاءات والمستويات الاجتماعية؟! ألم يستعذب قسم من المصريين الفساد لدرجة المطالبة بتكريم الرئيس السابق مبارك، رغم ما حفل به عهده البائد من فتح لأبواب الفساد والرشوة ، بأنواعها، على مصراعيه، وابتكر، وشجع زواج المال بالسلطة، وشهد عصره ، لأول مرة ، استيلاء رجال الأعمال على شركات القطاع العام المنافسة لأنشطتهم، عملا بمبدأ "زيتنا في دقيقنا"، والتلاعب في البورصة، وسداد ديون البنوك "من دقنه وافتل له"، والهروب بأموال الشعب، وضرب عرض الحائط بالتقارير الرقابية؟! ألم ترو الحكايات في عهد مبارك عن فساد أحد أبنائه، ودفاع الآخر عن عصابة الفاسدين والمزورين، وضمهم إلى بطانته؛ لدرجة أن النكات صارت تروى عن شرط الفساد للاستوزار (تولي الوزارة)؟!

قديما أيام الاحتلال ووجود الملوك والسلاطين على سدة الحكم كان الفساد "على قده" في استثناء شخص ما من شرط بسيط لشغل وظيفة ما.. أو السكوت على مخالفة هينة، مقابل شغل منصب معين.. إلخ.. فهل يتصور أحد أن رائد الملك فاروق، وزوج أمه (عرفيًا) ورئيس الديوان الملكي، والمرشح لرئاسة الوزارة، أحمد باشا حسنين، رحمه الله، شهر به البرلمان لمجرد أنه طلب من مدرسة صناعية أن تصنع له "طاقم صالون"، ثم عجز عن سداد ثمنه، ورفض استغلال نفوذه لإسكات المسئولين آنذاك؟! وهل يعلم أحدنا أن حكايات الفساد التي يرويها الكثيرون عن المرحوم مصطفى النحاس باشا، وزوجه زينب الوكيل، كانت تتمثل في بعض الاستثناءت لأقاربها لنيل رتبة الباشوية، وشغل بعض المناصب غير المهمة في الحكومة، وابتكارها مشروعا أسمته "النيل" لإظهار الوجه الحضاري لمصر، عن طريق فتح باب التبرع من قبل المواطنين فإذا بالدنيا تقوم وتقعد ضدها، وضد زوجها الذي كان يتولى رئاسة حكومة الأغلبية وقتها.

أما الآن فالجميع يعلم تماما أن الترقيات والخدمات، ولو قانونية ومشروعة، في الأزهر والأوقاف، المنوط بهما حماية الدين الإسلامي، تتم بالعزومات، والرشاوى، وربما يصل الأمر في بعض الجامعات، التي نتغنى فيها بشعارات الأخلاقيات، إلى الرشاوى الجنسية، وتحفل المحاكم بالعديد من القضايا من هذا النوع.

حتى ساحة العدالة، لم تسلم من التشويه، بسبب بعض الفاسدين وذوي النفوس المريضة.. فكيف يستسيغ، والحال هكذا ، أن يتم تمرير القانون بسلام؟! لن يحدث.

قانون الخدمة يحتاج إلى العديد من الضوابط، وبه عوار دستوري، ويخالف المادة (٢١٥) من الدستور، التي ألزمت الجهات الرقابية بمتابعة القوانين المتعلقة بها في مكان عملها، وهو قانون متعلق بالجهات الرقابية.

الجهاز الإداري للدولة ظل لسنوات كثيرة، مرتعا للفساد وبابا من أبواب المحسوبية يستغله أصحاب المناصب في تعيين ذويهم ومنحهم كل المزايا دون أي دور رقابى من الدولة، على أمل أن يخرج قانون جديد للخدمة المدنية، بعد أن تم تعديل القانون رقم (47) لسنة 1978 أكثر من 17 مرة، كانت كلها تواجه انتقادات العاملين.. والقانون الأخير لا يلبي احتياجات المرحلة في مكافحة الفساد الإداري، ووضع حد لتغول السلطات في يد المسئولين دون رقابة، وإلا فلتأتوا برؤساء ومديرين من الأنبياء أو الملائكة، لا يتأثرون بمشاعر الحب والكراهية.

لا بد من وضع ضوابط الترقية ومعاييرها وقواعد الاختيار، وإلزام جهة الإدارة بالرد المسبب كتابة على التظلم أو الطلب المقدم من العامل، وتحديد ضوابط واضحة لسلطات الرئيس المباشر، على الأخص في توقيع الجزاء الذي غالى فيه القانون، وتقرير الحوافز أو العلاوة التشجيعية، أما فتح باب الاستثناءت فقد ارتكب فيه رئيس الوزراء ووزير التخطيط خطأ فادحا باسثناء بعض الفئات من تطبيق القانون.

خلاصة ما أريد قوله؛ غيّروا الثقافة، بحيث يتم القضاء على الفساد، والرشاوى، والمحسوبيات، والوساطات، والاستثناءات أولا.

الجريدة الرسمية