رئيس التحرير
عصام كامل

وانطفأ نور الشاشة العربية!


رحل نور الشريف!

هذا العنوان الحزين الكئيب المخيف المؤلم المفجع الذي بثته وكالات الأنباء عصر أمس.. كيف يمكن تناوله؟.. هل يكفي مقال واحد للحديث عن أحد أهم رموز الشاشة العربية؟.. كيف يمكن تناول سيرة فنان مثل نور الشريف اختار أن يكون دائما مع الناس وضد السلطة؟.. هل نفعل كما سيفعل بعض نقاد الفن - ولست ناقدا فنيا - في استسهال تناول سيرة فنان كبير جدا بالحديث عن بدايته الفنية في ثلاثية نجيب محفوظ، ثم المسلسل التليفزيوني الشهير "القاهرة والناس"، ثم سلسلة من الأفلام الخفيفة كأفلام أوائل السبعينيات مثل "الكل عاوز يحب" و"ألو أنا القطة" وغيرها؟


أم سنتوقف بسوء نية - كغيرنا - عند فيلم الكرنك ونتجاهل اعتذار نور الشريف عن الفيلم فيما بعد، وإعلانه أنه لم يكن يعلم أنه سيستخدم في حملة منظمة لتشويه عصر بكامله هو أصلا أحد أبنائه؟.. هل سنتوقف - مثلا - عند معركة نور الشريف الشهيرة بسبب فيلم ناجي العلي؟.. أم لمعركته عند ترشيحه للقيام بفيلم عن حرب أكتوبر وما تعرض له مع الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة؛ لأنه - كما افتروا - لا ينبغي أن يكون فيلما عن أكتوبر ببطولة فنان ناصري، ومن تأليف مؤلف ناصري أيضا، وكأن أكتوبر فعل سياسي وليس إنجازا وطنيا كبيرا؟

هل نتوقف عند ثلاثية نور الشريف نفسه في ثلاثة أفلام مهمة، لم ينتبه الكثيرون إلا لواحد منها فقط هو "سواق الأتوبيس"، بينما هناك عملان آخران تاليان يكملان فكرة ورؤية نور نفسه، وهما فيلما "بيت القاضي" و"كتيبة الإعدام"؟.. أم علينا أن نتوقف عند دور نور الشريف السياسي ومشاركته بفعالية في مؤتمرات أحزاب المعارضة ومانشيت جريدة الأهالي الشهير ذات صباح وعنوانه: "نور الشريف.. لم أكن يوما مؤيدا لكامب ديفيد"؟! 

أم نتناول التراجع النسبي في موقفه بفعل الإحباط الشديد، فكان أحد المدعوين في احتفال توقيع اتفاق "غزة أريحا" بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟!.. أم نتناول معركته مع قوى الظلام هنا في مصر أو مع بعض قوى التشدد في الخليج بلغ حد حصار أعماله؟!.. أم نتوقف ككثيرين عند حياته الخاصة وأزمته الشخصية الشهيرة مع رفيقة عمره وحبه الوحيد الفنانة بوسي؟

ونكتب ونسكت ونسأل وسنسأل وسيبقى السؤال: كيف يمكن تناول سيرة فنان بهذا الحجم وهذه المكانة؟.. هل يكفيه مقال واحد؟.. لقد أوشك المقال على أن ينتهي دون الإجابة أصلا عن سؤال.. فما بالنا عند محاولة الإجابة عن أسئلة عديدة؟

نور الشريف يستحق كتابا كاملا، سنحاول اختصاره في مقال أو مقالين إضافيين أو أكثر.. بينما تبقى الحقيقة المؤكدة هي: خسر الفن وخسرت السياسة وخسرت مصر وخسر العرب أمس فنانا عظيما.. كان الوحيد ربما الذي قال لا لكل ما جرى في عدة عقود ماضية وبطريقته وعلى طريقته.. كان مع آخرين مثله يعلنون انتماءهم السياسي علنا، مؤكدا في كل مرة ناصريته وعروبته، لكن دون أن ينجرف لأمواج السياسة فتقذفه بعيدا عن شاطئ الفن، كما جرفت غيره.. ودون الانجرار إلى مقولة أن "الفن للفن" كغيره.. بل كان أحد المؤمنين بأن الفن للمجتمع.. يؤثر فيه ويشتبك مع قضاياه ويغيره أو على الأقل يسعى لأن يغيره.. وإلا تحول الفنان إلى أراجوز.

الحقيقة المؤكدة أن نور الشاشة العربية انطفأ أمس.. حتى لو بقيت أعماله تنير الشاشات العربية كلها في كل مكان من بين تراث كبير تركه الراحل الكريم.. ذلك أن أحد عقولها المستنيرة غيبه القدر، ورحل في ظل هجوم شرس من قوى الظلام في كل مكان.. ومن كل اتجاه.. وعلى كل شيء.. كان وعيه أحد أدوات الصد والرد فيها، وبغيابه ستضعف مناعة الفن بلا جدال.. في ظروف مناعته أصلا ضعيفة!

غدا سنكمل الحديث..
الجريدة الرسمية