رئيس التحرير
عصام كامل

قناة السويس.. والسيسي.. وأحلام البسطاء ؟!


قناة السويس الجديدة مشروع قومى عظيم دون شك، وقرار البدء فيه هو قرار شجاع دون شك أيضا، وقرار الاعتماد على الذات في تنفيذه بعيدا عن المنح والقروض كما كان يشاع عن تنفيذه بالمال الخليجى القطرى والإماراتى أثناء حكم المخلوع مبارك والمعزول مرسي هو قرار أكثر شجاعة، ومؤشر حقيقي على استقلالية القرار الوطنى المصرى من ناحية ومؤشر أيضا على قدرة مصر وشعبها في الاعتماد على الذات والتنمية المستقلة غير التابعة للمشروع الرأسمالى الغربي، والمشروع يعد علامة فارقة في تاريخ الثورة المصرية التي انطلقت في 25 يناير 2011 في موجتها الأولى واستمرت حتى أنجزت موجتها الثانية في 30 يونيو 2013 ومازالت مستمرة حتى الآن من أجل إنجاز أهدافها في إسقاط النظام وتحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فقد أكد المشروع قدرة مصر قيادة وشعبا على مواجهة النظام الرأسمالى العالمى وحلفائه الإقليميين (دول الخليج) والمحليين (نظاما مبارك والإخوان).


فالمشروع يعد صفعة قوية على وجه كل أعداء الوطن بالخارج والداخل، فقد قرر الرئيس السيسي اختبار قوته وقدرته على اتخاذ القرار بعيدا عن أحضان الأمريكان والصهاينة وبعيدا عن المال الخليجى ورجال الأعمال المصريين وفى ظل تهديد الإرهاب الإخوانى وقد كان، ولم يكن له داعم في اتخاذ قراره غير البسطاء من شعب مصر الذين لم يخذلوه بل قاموا بمعجزة حقيقية حين قاموا بجمع تكاليف المرحلة الأولى من المشروع في ثمانية أيام فقط وهو مبلغ ليس بالقليل أربعة وستون مليار جنيه مصرى، وتمكن الرئيس والبسطاء من شعب مصر من تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع في موعدها المحدد بعام واحد فقط وقد كان.

إذن هناك إمكانية فعلية للرئيس السيسي إذا قرر الاعتماد على الشعب المصرى أن ينجز كل أحلام البسطاء، فبالاعتماد عليهم يمكنه أن يخرج مصر من التبعية للمشروع الرأسمالى الغربي (الأمريكى – الصهيونى)، وبالاعتماد عليهم يمكنه الاستغناء عن القروض والمنح الأجنبية، وبالاعتماد عليهم يمكنه الاستغناء عن المال الخليجى، وبالاعتماد عليهم يمكنه إسقاط النظام المتمثل في جملة السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي كان ينتهجها مبارك ومن بعده مرسي وإخوانه، وبالتالى يمكنه تحقيق أحلام البسطاء في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، هذه هي دلالة إنجاز مشروع قناة السويس الجديدة.

لكن السؤال الأكثر أهمية وإلحاحا الآن هو هل المشروع في حد ذاته يحقق للبسطاء أحلامهم؟! كثير من البسطاء يعتقد أن إنجاز المشروع سيعود عليهم بفائدة فورية ستنعكس على مستوى معيشتهم حيث ستزيد من دخولهم التي تتهاوى أمام الارتفاع المستمر والجنونى لأسعار السلع الرئيسية وهذا بالطبع غير صحيح، وخطاب الرئيس للشعب المصرى يوم الافتتاح يوحى للبسطاء بذلك وهذا أيضا غير صحيح، فالمشروع له فائدة عظيمة للاقتصاد الوطنى المصرى على المدى البعيد نعم لكنه على المدى القصير لا يفى بأحلام واحتياجات البسطاء.

لكن تجربة اتخاذ القرار المستقل يمكن أن يكون نموذجا يمكن الاعتماد عليه والسير على نهجه لتحقيق أحلام البسطاء من شعب مصر، فعلى الرئيس التحرك الفورى للفكاك بشكل نهائي من التبعية للمشروع الرأسمالى الغربي السبب الرئيسى والعائق الأول أمام تحقيق أحلام المصريين في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وبالطبع الفكاك من براثن الرأسمالية العالمية يتطلب مواجهة حاسمة مع أذرعها بالداخل، وهم عصابة مبارك المتغلغلة والمعششة داخل مؤسسات الدولة والتي تفرض هيمنتها على الاقتصاد الوطنى ومراكز صنع القرار السياسي والاقتصادى والاجتماعى والثقافى وتسيطر بشكل شبه كامل على وسائل الإعلام التي تستخدمها في تزييف وعى البسطاء وغسيل أدمغتهم وتجريف عقلهم الجمعى.

إذن لا يمكن أن تتحقق أحلام البسطاء بإنجاز مشروع قناة السويس فقط، لكن الأحلام ممكنة التحقيق إذا توفرت نفس الإرادة السياسية للرئيس السيسي والتي اتخذ بها قراره بإنجاز مشروع قناة السويس الجديدة بالاعتماد على الشعب المصرى وحده، وهو ما ينتظره منه البسطاء من شعب مصر فليس كافيا أن يكون منحازا لهم بالكلمات التي يؤكدها في كل خطاباته بل هم يريدون ترجمة هذا الانحياز اللفظى على مستوى الواقع الاجتماعى يريدون مواجهة مع رموز الفساد.

يريدون معركة شرسة لاسترداد ثروات الوطن المنهوبة بواسطة عصابة مبارك، يريدون عودة القطاع العام، يريدون مشروعات منتجة تستوعب العاطلين عن العمل، يريدون نصيبهم من عائد عملية التنمية، وإذا ما قام الرئيس بهذه المواجهة فسوف يجد البسطاء من شعب مصر خلفه فهم حائط الصد القوى الذي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة خصومه بالداخل والخارج، وأى تأخير من الرئيس في اتخاذ قرار المواجهة سيكون في غير صالحه وفى غير صالح مصر وشعبها، فأحلام البسطاء الصابرين على الجوع لا يمكن أن تترك لفترة طويلة فثورتهم جاهزة وموجتها الثالثة على وشك الانفجار إن لم يتحرك الرئيس سريعا لمواجهة من يعوق تحقيق أحلامهم وهم النظام الرأسمالى العالمى وحلفائه بالداخل من رجال أعمال نظام مبارك، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية