رئيس التحرير
عصام كامل

قانون الخدمة المدنية والتعديل الوزاري!



قانون الخدمة المدنية، الذي يثير ضجة شديدة حاليا، تم إقراره في شهر مارس الماضي ولم يعبأ به أحد من السياسيين أو العاملين بالدولة على حد سواء، ثم صدرت لائحته التنفيذية، ولم يهتم بها أو يناقشها أحد من المعنيين بالأمر، وفجأة زاد الضجيج والصراخ حول القانون، بعد أن قررت الحكومة تطبيقه اعتبارا من شهر يوليو الماضي، وتم صرف مرتبات العاملين بالدولة بناء على القواعد الجديدة التي أقرها القانون، وبعدها قامت الدنيا ولم تعد كما كانت!


الحكومة وعلي لسان وزير التخطيط، أحد أهم المشاركين مع خبراء وزارته في وضع القانون الجديد، قال إن القانون يهدف إلى علاج التشوه الذي يعاني منه الجهاز الإداري للدولة، ويهدف إلى القضاء على الفساد والمحسوبية في شغل الوظائف الحكومية وفي الترقيات داخل الجهاز الإداري للدولة، وأفاض الوزير في توضيح باقي الأهداف التي دفعت الحكومة لوضع وإصدار القانون، والحقيقة أن غالبية الأهداف التي أعلنها الوزير أري أنها أهداف ممتازة ومثالية، واعتبرها أمنيات عزيزة لن يتأتى الوصول إليها بسهولة، وأظن كذلك أن المعترضين على القانون لم ينزعجوا من كل أو بعض هذه الأهداف، ولكن ما أزعجهم هو التعديلات التي أدخلها القانون على معدلات زيادة المرتبات والأجور التي يتقاضوها.

فقد نص القانون في أهم مواده على ضم جملة الحوافز والمكافآت والبدلات التي يتقاضاها الموظف إلى المرتب الأساسي، وتقسيم المسميات المختلفة للدخل ليصبح سبعين أو ثمانين بالمائة منه راتبا أساسيا، بينما تكون الحافز في الربع أو أقل، وتضمن القانون كذلك نصا يحدد الزيادة السنوية بنسبة خمسة بالمائة من إجمالي الراتب، وهذا يعني ودون إغراق في كثير من التفاصيل أن الموظف الذي كان يتقاضي زيادة سنوية تقدر ببضع مئات من الجنيهات، سوف يتقاضي زيادة تقدر بعشرات الجنيهات فقط، ما أشعل الاحتجاجات الرافضة!

الملاحظ أيضا أن الضجيج الأكثر صوتا ضد قانون الخدمة المدنية كان من العاملين بوزارة المالية والجهات التابعة لها، ومنها الضرائب والجمارك، رغم أن القانون يعيد ترتيب أوضاع الجهاز الإداري للدولة الذي يضم ما يقرب من سبعة ملايين موظف، فواقع الحال بالنسبة للعاملين بوزارة المالية يشير إلى أن نسب الحوافز الشهرية التي يتقاضونها تتراوح ما بين ألف إلى ألفين بالمائة من أساسي الراتب، في حين أن غالبية موظفي الدولة وخصوصا موظفي الإدارة المحلية، لا تتجاوز حوافزهم الشهرية نسبة أربعة أضعاف الراتب الشهري.

موظفو المالية ينطلقون في رفضهم للقانون من أنهم يحققون للدولة مئات المليارات من الجنيهات المتمثلة في الضرائب والجمارك وخلافه، ما يبرر لهم أن يحصلوا على دخول ورواتب تتوازى مع حجم أدائهم وما يحققونه من أهداف، ويرون أن القانون الجديد لن يقلل مستحقاتهم هذا العام، ولكنه سيقلل من الزيادات التالية في الأجور والرواتب التي سوف تكون بنسبة خمسة بالمائة من إجمالي قيمة الحافز، والتي كانت تحسب في القانون السابق بنسبة عشرة بالمائة، وقال موظفو المالية إنهم مستعدون لتقبل تراجع الزيادات السنوية في رواتبهم بشرط واحد هو أن تضمن الحكومة عدم زيارة أسعار السلع والخدمات ومصاريف المدارس وخلافه !!

الحكومة واجهت احتجاجات موظفي المالية بالتأكيد على إنه لا رجعة عن تطبيق القانون والتأكيد على عدم إدخال أية تعديلات على القانون تتيح لموظفي المالية الحصول على مستحقات تتناسب مع ما يحققونه من إيرادات للدولة، ليس هذا فحسب فقد كشفت الحكومة عن الدوافع الحقيقية التي دعتها إلى إصدار وتطبيق القانون، وأعلن وزير المالية أن مرتبات العاملين بالدولة تضاعفت خلال السنوات الأربع الماضية، من أقل من مائة مليار جنيه إلى ما يقرب من مئتين وعشرين مليار جنيه هذا العام، ولا يمكن للدولة ـ بحسب كلام وزير المالية ـ أن تستطيع تدبير موارد لتمويل زيادات المرتبات بهذه الوتيرة !

إذن نحن أمام حكومة اختارت الطريق الأسهل في الإصلاح، وهو إعادة تقسيم موارد الدولة دون بحث التداعيات التي يمكن أن تؤثر بالسلب على حياة آلاف الموظفين وأسرهم استقرت أوضاعهم المالية لسنوات طويلة، وربما يكون قد شاب هذه الترتيبات بعض التجاوزات، أو المخالفات ولكنها وقائع إن تأكد حدوثها، فهي مسئولية الحكومة، ولا يعقل أن تتحمل فئة من موظفي الدولة، أخطاء أو تجاوز القانون بمعرفة حكومات سابقة !

لا أعلم لماذا ذكرتني هذه المشكلة بالأنباء التي تتردد حول نية الرئيس إجراء تغيير أو تعديل وزاري!. 
الجريدة الرسمية