رئيس التحرير
عصام كامل

تورط المصريين في إهانة القرآن!


للقرآن الكريم قدسية ومكانة خاصة في القلوب، والهدف منه التعبد بتلاوته، والتفكر والتدبر لمعانيه، والاتعاظ بما حدث للأمم السابقة، وليس أن ننقش آياته على الحوائط، أو نعلقها على عربات الكشري، وواجهات المطاعم ومحال العصائر، أو أن نضعه على تابلوه السيارات، كما يحدث الآن.


فأينما تَسِرْ تَجِدْ آيات قرآنية تزين واجهات المحال التجارية، أو تسمعها «نغمة» رنين لتليفونات محمولة، كنوع من الدلالة على التقوى والورع، أو لإظهار حالة التدين لدى أصحابها.

خذ عندك.. صاحب محل عصير زَيَّن واجهة محله بالآية القرآنية: «وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا».. وصاحب مقهى شعبي علّق لافتة كبيرة على الواجهة تحمل الآية: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ».. وصاحب مطعم استعان بآية: «كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ» ليزين بها المكان، ومطعم آخر للمشويات علق لافتة بالآية القرآنية: «وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ»، وعلى مبردات المياه المنتشرة في الشوارع تجد عليها الآية القرآنية: «وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا»!

ولم يتوقف الأمر عند أصحاب محال المأكولات والمشروبات.. فنجد أن أحد «الحلاقين» كتب على واجهة محله آية: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ».. وعلق ترزى الآية الكريمة: «وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا».. فيما علق أحد تجار الفاكهة آية: «وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ».. وتجاوز أحد أصحاب محال التليفونات المحمولة كل الحدود، عندما استعان بالآية القرآنية: «وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا» بجوار لافتة: «اتكلم براحتك»!

أما أغرب ما رأته عيناي، فكان لسيارة «ميكروباص» مكتوب على زجاجها الخلفي الآية القرآنية: «يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ».. والخوف- كل الخوف- أن نجد أحد «البارات» يُعلق على واجهة محله الآية الكريمة: «وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ»؛ لطمأنة زبائنه.. أو تستعين بيوت «الدعارة» بآية «وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ»؛ في الدعاية لعضواتها «المسجلات آداب»!!

وإذا كنا نعيب على هؤلاء صنيعهم، فإننا نعيب أيضًا على الذين يُسقطون آيات القرآن على الرئيس عبد الفتاح السيسي، عندما علق أحد المؤيدين صورة كبيرة للرئيس مكتوب في أعلاها: وسطع نور القمر مرة أخرى على مصر، وكتب أسفلها الآية القرآنية: «وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»!!

لقد ذكرني هذا المشهد العبثي بأحد أساتذتنا العظام، الذي كان يُدَرسُ لنا علم الحديث أثناء دراستي بكلية دار العلوم، وخصص مجموعة من المحاضرات لـ«الحديث الموضوع»، وكيف كان البعض يلجأ إلى التقول على النبي- صلى الله عليه وسلم؛ لتحقيق هدف سياسي، أو الترويج لسلعة بعينها.

وكان مما قاله لنا هذا الأستاذ، إن بائع «بلح» توقف ببضاعته أمام أحد المساجد الكبرى يوم الجمعة، انتظارًا لخروج المصلين، وعندما خرجوا صاح بأعلى صوته: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: إذا انتهيتم من الصلاة فأبلحوا»، أي: كُلوا بلحًا.. فأقبل عليه الناس يشترون منه، حتى نفدت بضاعته.. ففطن بائع «البطيخ»، الذي كان واقفًا بجواره إلى الحيلة، فتقولَ هو الآخر على الرسول، وصاح بصوت جهوري: «وعنه قال: فأبطخوا»، أي: كُلوا بطيخًا..!

إن هذه الممارسات تمثل إهانة لكتاب الله وآياته، لأن القرآن مكانه في الصدور لا على واجهات المحال، أو لتزيين السلاسل الذهبية المتدلية من أعناق النساء.. ويجب علينا المحافظة عليه، وعدم المتاجرة به، وعدم إهانته أو تعريضه للاستهزاء بأي شكل وبأية وسيلة، وعدم استغلاله في تحقيق أي غرض، في غير ما أنزل الله.

والخلاصة- كما أجمع العلماء والفقهاء- إذا كان تعليق الآيات أو السور أو الأحاديث النبوية الشريفة، على جدران المكاتب، أو المجالس، ونحو ذلك؛ للتذكير والعظة فلا بأس بذلك، ولا حرج، على الصحيح، أما إذا كان القصد غير ذلك؛ كأن يعتقد صاحبها أنها تحفظه من الجن، أو تحميه من العين، أو يُخرجها من سياقها؛ لتحقيق أية مكاسب، فلا يجوز على الإطلاق؛ لأن هذا لم يرد في الشرع، وليس له أصل يُعتمد عليه.
الجريدة الرسمية