البحث عن الحرية
الإنسان يجد لنفسه حرية داخل كل قيد على الحرية.. تعبير جاء على لسان أحد أبطال قصص يوسف إدريس، الباحثين عن الخروج من أسوار التضييق.
ورحلة البشرية تؤكد أن الإنسان لم يستسلم قط للقيود التي فرضت عليه؛ لتحاصره وتخنق أفكاره وأحلامه وتطلعاته.. والتاريخ حافل بنماذج الأنظمة المستبدة والحكام الديكتاتوريين الذين تفننوا في تطبيق كل أشكال القهر والكبت حتى تدور شعوبهم في فلكهم لا يحيدون عنه قيد أنملة.. وفي المقابل هناك نماذج أكثر لمحاولات البشر للحصول على حريتهم.. ودائمًا تنتصر الشعوب.. فلم تهزمها شتى صنوف القهر والحصار.. لم ينتزع «الطغاة مهما بلغ جبروتهم» الأمل من قلوبهم.
ومثلما قطع الإنسان البدائي زمنًا طويلًا قبل أن يكتشف استحالة الحياة بمفرده، لتبدأ مرحلة المجتمع في قصة الحضارة.. أضحت الحرية أيضًا مرادفة للحياة بعد رحلة الإنسان الطويلة لكسر القيود التي كانت تجعله أقرب للحيوانات، وتنزع منه بشريته وإنسانيته من أجل حفنة حكام.
والحرية تفعل المستحيل وتحقق المعجزات؛ لأنها تغرس الانتماء الحقيقي للفرد نحو مجتمعه ووطنه، وليس الشعارات والأغاني المرتبطة بالمناسبات.. وهذا يفسر معجزة الشعوب التي تعرضت للدمار في الحروب الكبرى، وآخرها الحرب العالمية الثانية مثل ألمانيا واليابان وغيرهما، ومع ذلك نهضت وحققت معجزة اجتماعية وسياسية واقتصادية في وقت قياسي؛ بفضل الشعور بالانتماء لأوطانها وإيمانها بالمستقبل الأفضل الذي سيأتي بالديمقراطية والعدالة والرخاء.
لكن أينما وجدت الديكتاتوريات كانت السمة السائدة «اللامبالاة واليأس والإحباط وفقدان الأمل في الغد».. فلا بناء من أي نوع دون أن يتمتع الشعب بالكرامة والحريات التي تجعل كل مواطن يرى أن وطنه له ولأبنائه وليس لمجموعة منتفعين.. في هذه الحالة فقط سيرى الغد بعيون الأمل، ويسعى للبناء والتمسك بكل ما يجلب له السعادة والخير لنفسه ولمجتمعه.
الحرية لم تعد ترفًا.. فلن نبني بدونها.. وهي ليست فوضى كما يروج المستبدون ومن على شاكلتهم.. فتجارب الدول تؤكد أنه لا استقرار حقيقي لأي مجتمع دون ديمقراطية، فهي الضامن الفعلي لحماية الأمن القومي، وتحقيق آمال وطموحات الشعوب.. نعم هي الحياة ودونها العدم والفناء!!