رئيس التحرير
عصام كامل

المنظومة الأممية والكيل بمكيالين


في تعاطيها مع الإرهاب كانت سياسة الكيل بمكيالين هي الغالبة على أداء المنظومة الأممية، والخطاب الرسمي الصادر عنها، أو حتى المواقف الصادرة عن غالبية القوى الدولية التي تقدم نفسها بوصفها مدافعة عن حقوق الإنسان.


فعلى مدى أربعة عشر عاما، فصلت بين الحدث الإرهابي الأشهر الذي استهدف برجي التجارة في نيويورك (2001)، وما تتعرض له مصر وبعض دول المنطقة العربية عام 2015، فظهر الوجه الحقيقي القبيح لتلك السياسة القميئة، فبعد 17 يوما فقط من أحداث 11 سبتمبر 2001، اتخذ مجلس الأمن قراره الشهير رقم 1373 الذي تبنى خطابا متشددا إزاء المنظمات والدول التي تدعم الإرهاب.

ومن عجائب القدر، أن القرار المذكور تضمن في مادته الثانية، نصا صريحا يجبر الدول على عدم تقديم أي نوع من الدعم الصريح أو الضمني إلى الأشخاص الضالعين في ارتكاب الجرائم الإرهابية، بل تضمنت نفس المادة أيضا حظرا على الدول أن تقدم ملاذا آمنا لمن يرتكبون أو يمولون أو يدعمون العمليات الإرهابية، وحظرت عليها جعل أراضيها منطلقا لتلك الحزمة المجرمة من الأعمال العدوانية.

الآن وبعد مرور هذه السنوات، وفي ظل وجود هذا القرار الأممي الملزم، نجد المنظومة الدولية تغض الطرف عن دول ترتكب كل تلك الجرائم مجتمعة، فهناك على الأراضي القطرية التي تتخذ الولايات المتحدة منها منطلقا لحربها على الإرهاب ومقرا لأكبر قواعدها العسكرية، يعيش جيش من ممولي وداعمي العمليات الإرهابية التي تحصد أرواح الأبرياء في مصر وليبيا وتونس وسوريا، وعلى الأراضي التركية – حليفة الولايات المتحدة - تتوفر منصات الحرب الإعلامية؛ للتحريض ودعم الجرائم الإرهابية التي ترتكب في مصر.

داعمو وممولو الإرهاب، بل كثير من المرتكبين المباشرين للجرائم الإرهابية، والأبواق الإعلامية التي تبرر لهم إرهابهم، كل هؤلاء يتوفر لهم الملاذ الآمن والمساندة السياسية في قطر وتركيا، في الوقت الذي شنت فيه الولايات المتحدة حربا شرسة على العراق قبل سنوات، استنادا للقرار 1373 الذي يجرم كل تلك التصرفات.

إن المنظومة الأممية تواصل نزيف سمعتها، طالما تركت قراراتها تتحول لمجرد حبر على ورق، وقبلت أن تتهم بممارسة الكيل بمكيالين، واختارت أن "تستأسد" على دول تحوم حولها شكوك بدعم الإرهاب، بينما تنقلب إلى نعامة عندما يتعلق الأمر بدول أخرى تتوفر شواهد كافية وأدلة ساطعة سطوع الشمس على دعمها ومساندتها للإرهاب، وإيوائها للإرهابيين.

لا أحد يجادل في أهمية القرارات الدولية التي تحظى بإجماع واتفاق عام لمواجهة الإرهاب والعنف والتطرف، ولا أحد يجادل في أن احترام حقوق الإنسان يتطلب مواجهة صريحة وحازمة للإرهاب، لكن ما سيظل موضع جدل، بل استهجان أيضا، هو أن تكشر المنظومة الدولية عن أنيابها عندما يكون ضحية الإرهاب أمريكي الجنسية، بينما توزع ابتساماتها على"القاتلين" عندما يكون الضحية عربيا.
الجريدة الرسمية