مقترح بتأجيل الانتخابات ثلاثة أشهر
تمر مصر بمرحلة حرجة، والبرلمان القادم أمامه مشكلات صعبة، من بينها إقرار قوانين الحقبة الماضية، والمطلوب التعامل العقلاني مع هذه القوانين التي جاءت تحت ظروف صعبة للغاية، فليس المطلوب إقرارها دون تعديل والموافقة العمياء عليها، ولا إنكارها ورفضها وعمل مواقف عنترية على حساب استقرار مصر، وإنما مطلوب مناقشة «احترافية» - إن جاز المصطلح - في الممارسة النيابية.
السؤال الجوهري.. هل نمتلك مرشحين لديهم فرص نجاح يمكن أن يكونوا ملاحين للعبور بسفينة مصر لبر الأمان في البرلمان القادم؟.. هل فعليا هناك من يمكنه تدريب وبناء قدرات وتأهيل شباب وكبار لحياة برلمانية ترسخ لمفهوم النقاش والحوار والتفاوض السياسي تحت القبة البرلمانية، وليس لمفاهيم التصفيق أو الزعيق؟.. ليس المدح المفرط أو الذم المفجع؟.. هل لدينا مرشحون يمكن القول عنهم إنهم شخصيات موضوعية، قادرة على التعامل مع مشكلات مصر برؤية وفكر؟.. ماذا عن ميراث خدمة الدائرة الذي لا يزال يطارد أغلب نواب مصر؟.. هل هناك من يستطيع أن يتحرر من هذا الميراث لصالح الوطن؟
إن النظر لطبيعة الترشح وطبيعة حصد الأصوات وضعف الأحزاب وإخفاق الشباب في تقديم كوادر سياسية تستطيع أن تنل ثقلا جماهيريا، كلها أمور تقف عقبة وتمثل – من وجهة نظري – خطرا مقلقا على مستقبل مصر، فلو تخيلنا أن الشرط الوحيد لكي يصبح مواطنا ما برلمانيا، قدرته على تحمل أعباء الانتخابات ماديا، ونجاحه في اللعب السياسي لكسب أصوات دائرته – هذا اللعب يتم غالبا بوعود خدمية حتى لو على حساب المصلحة العامة للدولة – فسنتخيل في المرحلة الحالية مأساة مناقشة أوضاع عسكرية أو اتفاقيات دولية أو سياسات تعليمية أو تشكيل حكومة، في ظل وجود أفراد برلمانيين قد يكونوا غير مؤهلين لممارسة هذا النوع بهذا الكم والكيفية، في ظل صلاحيات إضافية وضعها الدستور للبرلمان.
وحتى لا يصبح الكلام عبثيا، فإن المقترح الذي أقدمه هو تأجيل الانتخابات ثلاثة أشهر إضافية، يتم خلالها وضع شرط حصول الراغب في الترشح للانتخابات على شهادة صلاحية للترشح، عن طريق عمل برنامج دراسي مكثف للقوانين والنظم والمفاهيم السياسية، وأبعاد الأمن القومي والاتفاقيات الدولية، والبروتوكولات العالمية، وغيرها من الأمور التي قد يحتاج إليها العضو تحت القبة البرلمانية؛ حتى يستطيع أن يمارس مهامه وفق الصلاحيات الدستورية الجديدة، ونطمئن من قدرته على فهم الحالة المصرية، ومتطلبات التحول الديمقراطي، ويجب أن يكون هذا الأمر صارما، بمنتهى البساطة من لا يستطيع أن يجتاز هذا البرنامج يتم رفض ترشحه للبرلمان.
هناك طبعا اعتراضات كثيرة قد يقولها البعض على هذا المقترح، منها ضمان عدم استخدام ذلك في إزاحة البعض من الترشح، هذه واحدة، والثانية لنفترض وجود مرشح لم يجتز هذا لكن الناخبين يريدونه في دائرتهم، والثالثة كيف نطلب من سياسيين وبرلمانيين قضوا فترات طويلة في البرلمان أن يحضروا برنامجا دراسيا وغيرها من الاعتراضات؟
وردي على هذا، أننا في مرحلة مصيرية، إما أن نكون على قدر تحديها، ونكف عن دفن الرءوس في الرمال ونواجه مشكلاتنا مواجهة فعلية، أو نستمر في إفراز كل السلبيات الماضية لكن بوجه أجمل، وبغلاف أشيك.. كان البرلمان طوال الفترات الماضية، صراعا للحصانة والسلطوية وتصارع خدمات بين نوابه، مقابل انتزاع التأييد لممارسات الدولة، بدلا من مراقبتها ومحاسبتها، ونريده في المرحلة القادمة شراعا يعبر بسفينة مصر، وقمرا ينير الطريق للبسطاء، وشمسا تحرق الفساد والمحسوبية والإهمال.
وكل الاعتراضات على هذا المقترح يمكن حلها بالنقاش والبدائل، ولضمان عدم إزاحة بعض المرشحين يمكن إيجاد أكثر من جهة لتقديم هذا التدريب، باعتماد برنامج تثقيفي واحد، ثم السماح لأكثر من جهة بتقديمه مع متابعتهم، وساعتها نضمن الحيادية، أما مشكلة وجود نائب لا يستطيع اجتياز مثل هذا البرنامج وأهل دائرته يرغبون فيه، هذا بالضبط هو النموذج الذي لا نرغب في أن يكون موجودا في البرلمان القادم، النائب صاحب فكر الخدمات، بينما مستقبل مصر على هامش تفكيره، أما الخبراء السابقون فيمكن الاستفادة منهم في إعداد البرنامج ومشاورتهم.
إن النجاح في المستقبل يحتاج لخطوات صعبة في الحاضر، والقرارات الحاسمة هي التي تصنع الفارق أكثر من المواءمات والسير وفق نبض الشارع.