رئيس التحرير
عصام كامل

المفاعل النووي المصري.. حلم قديم يتجدد


انتظر المصريون طويلا لكي يروا مصر في مصاف الدول النووية.. تمتلك أقوى سلاح للردع.. كان ذلك ممكنا عندما قرر الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954، إنشاء لجنة الطاقة الذرية المصرية وإسناد الاتحاد السوفيتي، وتم تشغيله عام 1961، ليضع بذلك اللبنة الأولى لتحقيق الحلم.

وبالفعل تمكنت الهند – التي بدأت في توقيت مقارب – من إنتاج القنبلة النووية، لكننا تأخرنا كثيرا.. حتى أنه لم يعد ممكنا سوى استغلال الطاقة النووية سلميا، وصارت القنبلة مستحيلة.

وفي 1964 تمت أول محاولة لمصر لإقامة محطة نووية لتوليد الكهرباء بموقع برج العرب.. وأعدت مواصفات المشروع وطرحت في مناقصة عالمية، تقدمت لها 4 شركات أمريكية وألمانية بتقنيات مختلفة، ومعها عروض بمحطة تحلية مياه البحر بقدرة 20 ألف متر مكعب يوميا، بالإضافة إلى مصنع وقود نووي ومفاعل أبحاث بقدرة 40 ميجاوات.. وفي 1966 صدر خطاب الاعتزام لشركة أمريكية، إلا أن هزيمة 67 أجهضت الحلم المصري، وهزمت الطموح النووي.

وبعد رحيل الرئيس عبد الناصر، وتولي الرئيس السادات تقدمت مصر عام 1971، ببحث للمؤتمر الدولي للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية بجنيف، وشمل البحث دراسة إمكانية إدخال محطات قوى نووية وإدماجها في شبكة الكهرباء حتى عام 2000، وتمت صياغة البرنامج النووي المصري طويل المدى.

وفي عام 1974، اتُخذ القرار بالبدء في البرنامج النووي، في ضوء نتائج الدراسات السابقة، وإقامة المحطة النووية الأولى بقدرة 600 ميجاوات، في سيدي كرير، وتم اختيار مفاعل الماء العادي المضغوط والتعاقد على خدمات الإثراء اللازمة للوقود النووي.

وفي يونيو 1974، وقعت مصر اتفاقية تخصيب اليورانيوم مع لجنة الطاقة الأمريكية، وتم الاتفاق مع السادات على توريد محطة نووية لمصر بقدرة 600 ميجاوات لكهرباء بواسطة الشركات الأمريكية.. وفي فبراير 1975، تقدمت شركات أمريكية بعطاءاتها، وشملت أيضًا وحدة تجريبية لإزالة الملوحة بقدرة 20 ألف متر مكعب مياه عذبة يوميا، وكان متوقعا تشغيل المحطة النووية عام 1982/1981.

وفي 1978، وقبل توقيع العقد وبدء الخطوات التنفيذية للمشروع، اشترطت الولايات المتحدة أن يكون لها حق التفتيش على جميع المنشآت والأنشطة النووية، وتم رفض الشرط وتوقف المشروع، وتحول موقع سيدي كرير إلى قرية سياحية ومطار ومحطة كهرباء عادية.

وفي 1979، وضع الرئيس السادات خطة لإنشاء 8 محطات نووية، بإجمالي قدرة كهربائية 8400 ميجاوات، وتوصل لاتفاق مع فرنسا لتوريد أول محطتين نوويتين، وتشكلت مجموعات عمل مشتركة لإجراء الدراسات على موقع الضبعة.

وفي 1981، ومع بداية عصر الرئيس مبارك كان القرار بأن يتم التنفيذ من خلال مناقصة عامة وليس بالأمر المباشر مع فرنسا، وهو ما أخر المشروع عدة سنوات.

و1982، تم التعاقد مع بيت خبرة استشاري سويسري، ووضع مواصفات محطة الضبعة.. وفي 1983 طرحت مصر مناقصة عالمية لإنشاء محطة نووية بقدرة 1000 ميجاوات.

وفازت ألمانيا بالمناقصة عام 1984 / 1985، إلا أن وقوع حادث تشيرنوبل في أبريل 1986، أدى إلى تشاؤم مبارك، وقرر على الفور وقف المشروع دون الرجوع إلى الخبراء أو المجلس الأعلى للاستخدامات السلمية للطاقة النووية أو مجلسي الشعب والشورى.

وفي عام 2007، عاد مبارك ليداعب خيالات المصريين بقرار إنشاء مفاعل جديد في الضبعة، ثم اكتشفنا أن ذلك لم يكن إلا حرثا للأرض، وتمهيدا لتوريث نجله جمال!

وبعد ثورة يناير 2011، وتولي الرئيس المؤقت عدلي منصور، أعلن في ذكرى حرب أكتوبر عن اعتزام الحكومة تدشين مشروع استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية.. والآن حان وقت قطع خطوة الألف ميل من أجل إنجاز الحلم القديم، مدفوعين بروح قناة السويس الرائعة.
الجريدة الرسمية