الأزمة الأمنية..إلى أين؟ (1)
شهدت مصر خلال الأيام القليلة الماضية جدلًا كبيرًا حول المشهد الأمنى فى البلاد، وما يتخلله من أزمات عدة، ينحسر معظمها فى غياب الأمن، وإضراب الشرطة، وتصريحات النيابة العامة بشأن تفعيل الضبطية القضائية للمواطنين، ودعوة التيارات الإسلامية لتشكيل فرق عسكرية تعمل كبديل للشرطة، وغيرها من الأزمات الأخرى المتعلقة بالجهاز الأمني.
وعند تأمُل هذه الأزمات، نستطيع أن ندرك جيدًا أن المشهد الأمنى الراهن فى مصر بات ينذر بمخاطر عدة، ستؤدى - فى حالة السكوت عنها- إلى تفاقم الأوضاع، وربما وصولها إلى حد لا يمكن السيطرة عليه، ولذلك فسوف أعمل على تقديم رؤية تحليلية شاملة للأزمة الأمنية فى مصر، من خلال تناول جذور الأزمة، وأسباب تفاقمها خلال الفترة الأخيرة، وأسلوب التعامل معها، بالإضافة إلى محاولة تقديم عدد من الحلول لعلاجها، واقتلاعها من جذورها.
عند البحث عن الأزمة من جذورها، نجد أنها بدأت يوم 28 يناير 2011، وتحديدًا لحظة انسحاب الشرطة من الميادين، وانكسارها فى نظر كل مواطن مصرى ذاق أو شاهد الظلم والقمع والتعذيب الذى مارسه هذا الجهاز -دفاعًا عن نظام مبارك- طوال ثلاثين عاما، فمنذ تلك اللحظة أصبح هناك حاجز كبير بين الشرطة والشعب، وقد اتسع هذا الحاجز بعد عودة الشرطة مرة أخرى إلى المشهد، منتهجة لنفس الأسلوب الذى اتبعته، متسببة فى مقتل ما يزيد على ثمانين مواطنًا وإصابة وتعذيب المئات خلال أربعين يومًا فقط، وذلك دفاعًا عن نظام مرسي.
وفى ضوء تلك السياسة التى انتهجتها الشرطة، أصبح وجودها فى أى فعالية أو تظاهرة سياسية مرهونًا بالعنف، ويعد أقرب دليل على ذلك توقف مشهد العنف فى بورسعيد -الذى ظل متصدرًا للمشهد لأكثر من أسبوعين كاملين- بمجرد انسحاب الشرطة من شوارع المدينة، فى مشهد انتصارى احتفالى بانكسار الشرطة -من وجهة نظر شعب بورسعيد- وتوقف نزيف الدم.
والحقيقة أن المشهد الذى انسحبت فيه الشرطة من بورسعيد، وما تخلله من أجواء احتفالية، يشير إلى إشكالية فى غاية الخطورة تتعلق بمدى الرفض والكره الذى أصبح يسيطر على فئة كبيرة من الشعب تجاه جهاز الشرطة بأكمله، وفقدان الأمل فى أى محاولات لإصلاحه، مما دفع البعض إلى مبادلة هذا الجهاز لبعض أساليب العنف، مما أسفر عن مقتل عدد من أفراد الشرطة خلال الأحداث الأخيرة، وهو ما أثار حفيظة عدد كبير من رجال الشرطة، ودفعهم إلى الإضراب عن العمل.
يتبع...
nour_rashwan@hotmail.com