رئيس التحرير
عصام كامل

نهى سعادات.. القضية التي لم تنظرها المحاكم الفرنسية (4)


كنت أنا ونهى نمضى في طريقين متوازيين كلما سعينا لنتقابل تصادمنا، كنت أرفض فكرة أن تنجب من رجل لا يريد منها أطفالا، واعتبرت هذا تعبيرا عن رفضه الداخلى لها أو عن شعوره بأن حياتهما مقلقلة لا تتحمل مسئولية أطفال، أما هي فقد انحصرت كل أحلامها في طفل فهو الذي يملك طوق النجاة وسيوهب لها سعادتها المفقودة وسيصنع لها مكانا في قلب زوجها وسيهديها قيمة لوجودها في الحياة.


كان حلم الأمومة أكبر من أن تقاومه وكنت أضعف من أن أثنيها عنه، ونصحتها بوجود حالات مشابهة سبقتها في فرنسا إذا فكرت في الطلاق بعد الإنجاب، فالطفل يحمل جنسية أبيه الفرنسية، ومن حق الأب الحضانة، لأنها لا تتحدث الفرنسية ولا تعمل، القانون الفرنسى في صف المرأة حال كونها مؤهلة لرعاية طفل، وأم لا تتحدث الفرنسية ولا تعمل موقفها ضعيف أمام المحاكم، ولكنها كالعادة أصرت أن تعيش التجربة بنفسها، هناك دائما من يصمم أن يسدد فاتورة أخطائه كاملة حتى آخر سنت فيلقى بنفسه في فوهة البركان غير عابئ بتفحم جثث من سبقوه.

قتلتنى رعبا حين اتصلت بى ذات ليلة لتخبرنى أنها بين الجبال هائمة على وجهها، بعد شجار بينها وبينه، وطلبت تدخلى وترددت لكنها حسمت ترددى، حين قالت أن أحدا لم يوقف زوجها يوما عند حده، لأنه لم يجد رجلا يدافع عنها، وعلى أن أكون رجلها في الغربة، واتصلت به وتحاورت معه بدبلوماسية، وعلمت أننى أحرزت هدفا حين رضخ لترضيتها بعد تلميحى بمعرفتى بقوانين فرنسا، وأنه يخطئ بطرده لفتاة مثلها في الجبال، معرضا إياها لخطر بليغ، بعد الصلح المرتقب والمصوغات الذهبية كان أول قرار اتخذه الزوج هو منعها من التعامل معى، ونفذت هي القرار بلا تردد، لأننى كنت عبئا نفسيا عليها تريد التخلص منه.

كثيرا ما سهرنا بأحاديثنا التليفونية نحكى بلهجتنا المصرية نعلق على مسلسلات مصرية شاهدناها، أو أغنية سمعناها، هكذا وبمتتهى البساطة تخلصت منى، كانت ونسى في الغربة، ونسا مزعجا كأبواق السيارات في مصر بمشاكلها وتناقضاتها وقراراتها المتراجعة بضحكاتها وبكائها، لكنها كانت روحا من مصر تؤنس وحدتى، وتشعرنى أن لى سندا في هذه الغربة، صديقة أخبرها أننى اليوم مريضة وغدا بخير، صديقة أقلق عليها وأخاف عليها من نفسها ومن شطحاتها ومن حساباتها الخاطئة دائما، كيف طاوعها قلبها على الإلقاء بى على قارعة طريق صداقتنا،

بعد عامين عادت وقبل أن تتصل بى كان لها اتصال بالقنصلية المصرية بمارسيليا، قالت فيه للسكرتير أنا مصرية موجودة في غرفة تحت الأرض فوق الجبل، وليست عندى وسيلة مواصلات لأهبط لمدينة نيس، وعندى طفل عمره عام بيموت، فرد قائلا: هحولك للقنصل العام فورا!
يتبع
الجريدة الرسمية